الأحد، 21 ديسمبر 2008

حركة في صورة من لطيف تليد الفوائد :

من إرشيف ( لطائف الفوائد ) الخاصة :



هذه الحركة أو قريبا منها على الأقل تني التأييد والاستحسان لقول أو فعل أو لتصرف ما .. وقد اشتهرت عن الأجانب ، حتى ارتبطت بما يصاحبها من قولهم (فري قود very good) .. لكن رجال الجرح والتعديل ( علم البحث في رجال الأسانيد والمرويات ، وهو من خصائص أمتنا ) ، وصفوها أومثلها عن الإمام أحمد رحمه الله ، في تقييمه لرواية المحدث المشهور محمد بن إسحاق ، والتفريق بين روايته للمغازي وروايته لأحاديث الأحكام من الحلال والحرام عنده ..
والفرق بين رواية أخبار المغازي وأحاديث الأحكام معلوم عند علماء الإسلام ؛ فإنَّ للتخصص أثرا في الرواية عندهم في ذلك ، فيقبل من رواة السير والمغازي المهتمين بها فيها ، ما لا يقبل منهم في أحاديث الأحكام ، فالواقدي مثلا متروك في الحديث بينما هو إمام في المغازي ، وهكذ الشأن في القراء الذين يتلقون التلاوة ، وينقلونها كما تلقوها ، فقد لا تقبل رواية بعضهم للحديث لعدم علمه بالأسانيد وعلل المرويات ، وموضوعات الجرح والتعديل وإن كان ثقة ثبتا فيما ينقله مما تلقاه عن شيخه في القراءة ، التي تعتمد التواتر في التلقي دون الاكتفاء بالرواية بالإسناد ..
أدعكم مع وصف تلك الحركة في تاريخ يحي بن معين رحمه الله نق عن الإمام أحمد ، فقد جاء في تاريخ ابن معين : سمعت العباس يقول سمعت أحمد بن حنبل وسئل وهو على باب أبى النضر هاشم بن القاسم فقيل له يا أبا عبد الله ما تقول في موسى بن عبيدة الربذي وفى محمد بن إسحاق فقال أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث كأنه يعنى المغازي ونحوها وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد ولم يضم الإبهام وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو العباس .أه
ـوقال في موضع آخر : سمعت عباسا يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول وهو على باب أبى النضر وسأله رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في محمد بن إسحاق وموسى بن عبيدة الربذي فقال أما موسى بن عبيدة فكان رجلا صالحا حدث بأحاديث مناكير وأما محمد بن إسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث يعنى المغازي ونحوها فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا قال أحمد بن حنبل بيده وصم يديه وأقام أصابعه الإبهامين أ هـ .
فهل يا ترى تعد هذه الحركة من الحركات الوافدة ، أو المشتركة ، أو المنقولة عنا ثم المجلوبة إلينا كبعض الأنظمة والقوانين والطروحات الإسلامية ؟!ربما لو علم بعض المنهزمين - التابعين المقلدين للأجانب - بأصولها الإسلامية لهجرها إمعانا في البراءة من الأمة والتبعية للأجنبي !!

الخميس، 18 ديسمبر 2008

رسالة علمية أصيلة في نقض الانحراف والشغب الفكري بجمبع أطيافه ..

كم في جامعاتنا من كنوز علمية ذات نظر فكري شرعي مؤصَّل ، يكشف زيف كثير من الطروحات الزائفة التي تتعالى بها أصوات أدعياء الفكر الإسلامي فضلا عن غيرهم من الزنادقة والملحدين .. ولقد مررت على هذا الرسالة وأنا أعد مقالا لمجلة ( التجديد الثقافي ) حول أهمية الفكر لطالب العلم الشرعي ، خلافا لما شاع عن بعضهم من التقليل من شأنه ..
وإليكم شيئا من مقدمة الرسالة القيمة ..

----------------------------
جامعة القدس الدراسات العليا ـ قسم الدراسات الإسلامية

التأويل بين ضوابط الأصوليين وقراءات المعاصرين - دراسة أصولية فكرية معاصرةرسالة ماجستير
مقدمة من الطالب
ابراهيم محمد طه بويداين

أعضاء لجنة المناقشة
1. الدكتور حسام الدين عفانة رئيساً ومشرفاً
2. الدكتور حسين الترتوري منافشاً خارجياً
3. الدكتور محمد عساف مناقشاً داخلياًقدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة

ملخص البحث :
تكمن أهمية البحث في انه يعالج أهم قضية في تاريخ الفكر الإسلامي قديما وحديثا، ألا وهي العلاقة بين العقل والنقل، ودور العقل في فهم النص الشرعي، وهي القضية التي لا تزال مطروحة للسجال والمناقشة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا.ويمثل التأويل أخطر وأهم السبل في التعاطي مع النص الشرعي، إذ ضل بسبب الإفراط فيه خلق كثير وفرق يصعب حصرها. بدءً من الخوارج والمعتزلة والشيعة والمرجئة والباطنية وصولا إلى مدارس الحداثة والمعاصرة في العصر الحاضر.والتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معنى مرجوح لوجود دليل مقتض لذلك، فهو خلاف الأصل، إذ الأصل الأخذ بظاهر اللفظ " النص" حسبما يدل عليه لسان العرب.ويكون إما تخصيصا للعام أو تقييدا للمطلق، أو صرفا للفظ من الحقيقة إلى المجاز وللأمر من الوجوب إلى الندب أو الإرشاد، وللنهي من الحرمة إلى الكراهة... الخ.وكل نوع منها قد يكون قريبا أو بعيدا بحسب قوة دليل التأويل وضعفه. وبينت فيه أن التأويل – بإجماع أهل العلم لا بد له من شروط حتى يكون سائغا مقبولا أهمها: أن يكون اللفظ – النص – المراد تأويله قابلا للتأويل أصلا، بان يكون محتملا لعدة معان، فإن كان اللفظ غير محتمل للتأويل، بأن كان له معنى واحد محتم، لم يجز حمله على غيره، فإن حمل كان تأويلا باطلا مردودا.ومن شرطه أن يكون المعنى المرجوح الذي يراد حمل اللفظ – النص – عليه مقبولا شرعا، بان لا يعارض نصا آخر مثله في القوة، أو يزيد عليه، ثبوتا أو دلالة.فإن كان هذا المعنى يعارض نصا، أو حكما شرعيا مثله، أو أقوى منه كان أيضا تأويلا باطلا مردودا. فما الظن إذا كان يعارض نصوصا قطعية لا تحصر، أو أحكاما شرعية ثابتة مبرمة مجمعا عليها؟.وهذا الشرط يستتبع شرطا آخر، وهو أن يقترن التأويل بدليل يقوي ويعضد هذا المعنى المرجوح على دلالة الظاهر، فإن عدم الدليل أو كان مساويا لدلالة ذلك الظاهر، أو لم يكن حجة كان تأويلا باطلا مردودا أيضا.وهذا الدليل إما أن يكون نصا من القرآن، أو السنة، أو إجماعاً، أو قياساً، علتْه منصوصة، أو قاعدة شرعية ثبتت بأدلة شرعية، أو بحكمة تشريع ظاهرة منضبطة.فإن كان تأويلا بغير دليل شرعي معتبر – شبهات وأوهام وأحاديث ضعيفة أو مقاصد وكليات متخيلة مدعاة كما هو حال معظم التأويلات المعاصرة - كان تأويلا فاسدا مردودا.ثم لا بد للمؤول أن يكون مجتهدا امتلك ناصية الاجتهاد والترجيح لأن هذا هو حقيقة التأويل، فإن عالجه من لم يحصل آلة الاجتهاد اللازمة كان باطلا أيضا، لأنه صادر من غير ذي صفة.كما وبينت أن كل الموضوعات التي ركز المعاصرون جهود التأويل، والتي عالجتها قراءة وتحليلا وردا وتفنيدا، داخلة في نطاق ما لا يجوز الاختلاف فيه أو تأويله بحال من الأحوال. أي في دائرة القطعيات المحكمات، بل المعلومة من الدين بالضرورة. ككفر اليهود والنصارى، وحجية السنة في شؤون الحياة وأمور المعاملات، وحجية الإجماع، وحرمة الردة، وبطلان مفهوم المواطنة كما هو في الوعي المعاصر، وبطلان شرعية أي نظام سياسي لا يحكم الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة، وحرمة الربا بكل أصنافه، ربا الفضل، وربا الديون...الخ.كما وبينت أن الأدلة المستخدمة من قبل المؤولين لا تعدو أن تكون شبهات وأوهاما وخيالات، وأن المؤولين في غالبهم ليسوا من اهل العلم العلم الشرعي، والنظر الفقهي، فلا يجوز لهم الاجتهاد أو التأويل، وبينت أن المعاني التي استنبطوها باطلة لمناقضتها للقطعيات المحكمات.وبينت أن الحامل على التأويل لدى أولئك المؤولين هو رغبتهم الجامحة في التوفيق بين مفاهيم الإسلام، وأحكامه، وعقائده الثابتة بوحي الله، وبين ما استحدثه الفكر الغربي من مبادئ وقيم، ومفاهيم بعد الثورة الصناعية التي قامت عليها الحضارة الغربية.وبينت أن ذلك يعبر عن الانهزام النفسي والفكري الذي يربأ عنه من يعتز بعقيدته ويفاخر بشريعة ربه.وبينت أن الحامل لهم على التأويل لم يكن تحقق التعارض الأصولي الذي يستدعي الترجيح أو التأويل تخصيصا، أو تقييدا، وهو المسوغ الشرعي الوحيد للتأويل. بل كان ما ذكرت تأثراً بالثقافة الغربية وسعيا إلى تأصيل مفاهيمها أو ما يدعونه بـ" أسلمة المعرفة ".وبينت أخيرا أن تأويل قواطع الإسلام، ومحكمات نصوصه التي أجمعت عليها الأمة هو إبطال للشرع ونسخ له، وأن ذلك لا يجوز بحال، بل هو كفر بواح.
والله الهادي والموفق للسداد والصواب
-------------------
(1) البغدادي أحمد بن علي بن ثابت : شرف أصحاب الحديث، ص51، تحقيق عمر عبد المنعم سليم، وقال المحقق اسناده رجاله ثقات.
(2) انظر: القاضي الرامهرمزي حسن بن عبد الرحمن: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ص415.
(3) الجويني عبد الملك بن عبد الله بن يوسف : البرهان في علم أصول الفقه (1/346).
(4) ابن تيمية تقي الدين ابو العباس احمد بن عبد الحليم :مجموع الفتاوى الكبرى 13/243.
(5) الشيخ مصطفى صبري: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين 1/46، وهو آخر شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية ووقف مجاهدا دون هدمها. وانشغل دهرا من عمره في الرد على الانحرافات الدينية التي ظهرت في القرن السابق - بموجب الإطلاع على كتابه المذكور.

الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

بمناسبة ضرب دبليو لوش بدبليو شوز ( حديث بستان ليس إلا )

بالأمس وردتني رسالة هاتفية من أحد الدكاترة الظرفاء ، حملت عنوانا مفزعا : عاجل ! فهرعت لقراءة الخبر الذي لا يمكن أن يرسله - وهو الجاد أحيانا - إلا لأمر داهم !
لقد كانت رسالته تحمل خبرا عن بيان صادر من منتظر الزيدي ( قاذف دبليو بوش بـدبليو شوز) ، جاء فيه - بحسب الخبر - أن سبب عدم إصابة رأس الشرّ الأمريكي هو استعمال الجزمة ! بينما كان المناسب هو ( النعل الزبيرية ) التي عرفت بقوة تصويبها لأنواع الأوزاغ على أعتق الجدران الطينية ! ولأي كائن ينتمي لفصيلة الفويسقات !

ولم أجد بدا من الرد على هذا الأخ ، فبعثت له رسالة هاتفية تفيد بأن استعمال السلاح المشار إليه ، قد يُفقد دبليو بوش - أو دبليو شوز ( كما عبّر بعض العراقيين ) - القدرة على التعرف على رقم النعل ؛ لأنها صناعة يدوية تكون خالية من أي رقم في الغالب !!

وأما من حيث ترجيح استمعال الزبيرية في ضرب المجرمين ، فإنها نعال ، والضرب بالنعال للمجرم له أصل في الشريعة ، عند أهل العلم كما سيأتي .. ثم إن مجال التشفي والانتقام والدفاع عن النفس إلخ .. يختلف عن مجال الحرب المتكافئة وأخلاق الفارس المسلم فيها ..

هذه حادثة قصدت منها التوطئة لتذكير بعض الإخوة والأخوات في المجموعة بأن خصمنا هو ( دبليو شوز ) ومن يدافع عنه ممن يصفقون له ، وليس بعض زملائنا في المجموعة ممن يعلنون بغضه وعداوته كزميلنا في المجموعة الأديب الأريب أبي عبد الله ... من يعرف أبا عبد الله عن قرب ، كما أعرفه ، لا يكاد يشك ، أنه بريء من المحتل براءة الذئب من دم يوسف عليه اصلاة والسلام ، وبريء من بوش وزمرته برءاة المتأمرك من أمته .. ومن يعرف هدوء أبي عبد الله لا يشك أن ما جرى منه نوع من التهدئة المبنية على نظر ما ! ليس إلا .. ومن يعرف لطفه ومشاعره المرهفة لا يشك أنه لا يستحق شيئا من القسوة المرفوضة التي تفجّرت بها العزّة المحمودة من بعض أحبتنا ..

والحق على أبي أسامة الذي لم يجمعنا - شركاء المجموعة التي يديرها - يوما على مائدة واحدة حتى يعرف بعضنا بعضا عن قرب !!

أكاد أجزم أنه لم يغب عن أبي عبد الله - وهو صاحب العناية بكتب السنة - ما جاء من أبواب في كتب أهل العلم ، من مثل : باب : ما جاء في الضرب بالجريد والنعال ! وهي أبواب عقدت في ضرب بعض المجَرَّمين من أهل الإسلام ! ومن ذلك ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ .

لكن ربما غاب عن أبي عبد الله .. رأي الشافعي في المتأمركين ، عفوا في المتكلمين ، وهي العبارة المشهورة في كتب العقائد ، التي يقول فيها : " حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في الأسواق ، ويقال: هذا جزاء من خالف الكتاب والسنة " .. فكيف بضرب منتظر ممثل الأمريكيين المحافظين الجدد لشخص أمامه ، محارب بالنسبة له ولقومه ، ولم يعاهده هو ولا ولي أمر له ، تصح ولايته !

ولقد سررت والله بعبارات بعض الإخوة والأخوات التي ظهر فيها التشفي من الزنيم الأمريكي دبيلو شوز .. ولا حرج أن يتشفى مؤمن من كافر ظالم ( ويشف صدور قوم مؤمنين ) ..
وعقبال شوز آخر لزنيم آخر .. ونعال أخرى لمتعالٍ آخر ..

الجمعة، 14 نوفمبر 2008

قصة مداخلتي في ندوة الأسرة والتحديات المعاصرة !

قصة مداخلتي في ندوة الأسرة والتحديات المعاصرة !
البارحة كنت في محفل عام : ( أعمال الندوة العلمية التي تنظمها مجلة البيان تحت عنوان : ( الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة ) ، برعاية وزير الشؤون الإسلامية في المملكة معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ، وكان الموضوع : (مواجهة تأثير الإعلام العربي على الأسرة والمجتمع - تصور عملي مقترح ) ، و صاحب الورقة في هذا الموضوع هو الأستاذ الدكتور محمد بن سعود البشر ، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ..
كانت ورقته ورقة ثرية ، وكان إلقاؤه لها إلقاء واضحا صريحا جريئا ..

ولما جاء وقت المداخلات عل هذه الورقة ، كانت لي مداخلة تضمنت الحديث عن جملة قضايا ، بدأتها من وحي الورقة بقول الشاعر :
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبينه وغيرك يهدم

ثم أخذت في ذكر بعض النقاط ، منها :
- مساهمة الإعلام في إيجاد مشكلات أسرية لم تكن ، ثم مهاجمته للمجتمع من خلالها ، وتضخيمه للكثير من القضايا ..

- أن مشاركة بعض الشرعيين والدعاة في الإعلام لم تخل من مشكلات ، منها : التعليم المنفك عن التربية الإيمانية التي تربط الحكم بالتعبد ، حتى لا يكون تدريس الفقه مثلا كتدريس القانون خاويا من الروحانية ، وضربت مثلا بفتوى الإمام أحمد رحمه الله حين استفتي في حكم ترك صلاة الوتر .. وكيف كان جوابه روحانيا تربويا إذ قال : لا يتركه إلا رجل سوء .
- وتحدثت عن الإقصاء الإعلامي في بلادنا ، وكيف أن هناك إقصاء للمقالات الوطنية بله الإسلامية ، وضربت مثلا لذلك بمقالات كتبتها فلم تنشر مع أنها كانت تدافع عن منهجنا الإسلامي المعلن ، وأن كثيراً من الكتاب والكاتبات الذكور والإناث لا ينشر لهم ..
ثم ضربت مثلا بمنع مقال للمدكتور محمد البشر نفسه ، وذكرت أن المقال كان منذ عشرة أيام ولم ينشر !
وهذه المعلومة كانت مؤكّدة ، بل إن الصحفي الذي أكّدها لي كان بجواري أثناء الجلسة !
ولكن الدكتور محمد هز رأسه كالمنكر ، لم أره وهوم يهز رأسه ، وإلا لكنت وضحت الأمر أكثر ..
ثم علقت على موضوع يتعلق بالمحور القانوني الذي ذكره الدكتور محمد ، وبينت أن الأصح أن نقول : المحور النظامي بالنسبة لأنظمة المملكة ، لأن القانون في مقابل الشريعة ، بينما النظام هو ما يسنه ولي الأمر مما لا يعارض الشريعة ، كما يعبر بعض علماء الشريعة .
- ثم اقترحت على معالي الوزير فضيلة الشيخ / صالح آل الشيخ ، اقتراحين :
الأول : أن توسع الوزارة من رعايتها للبرامج الإعلامية المهمة في القنوات الفضائية ذات الجمهور العريض .
والوزارة تقوم برعايةٍ لبرنامج ( البينة ) في قناة إقرأ مثلا ، وترسل من خلال رعايتها عددا من الرسائل الدعوية خلال الفاصل وقبل البرنامج وبعده .
الثاني : أن تقوم الوزارة بإعداد مواد إعلامية تشمل جميع شرائح الأسرة ؛ وحتى الأطفال من خلال أفلام كرتونية مثلا ، ثم تقوم بتسويقها مجانا للقنوات الفضائية التي لا تتردد غالبا في قبول بث البرامج المجانية .
ولما جاء مجال التعليق لصاحب الورقة الدكتور محمد البشر ، علق على ثلاث نقاط / منها اثنتان تعلقتا بمداخلتي :
إحداهما : بيّن فيها أنه لا يكتب إلا متى جاءته الفكرة ، كالشاعر والقصيدة ، فهو لا يكتب كل يوم ! وهنا فهمت أنه فهم من مداخلتي أنني أقول : إنه لم ينشر له منذ عشرة أيام أي مقال . والأمر ليس كذلك .
والصحيح أنني كنت أقصد مقاله الذي بلغني من أكثر من مصدر منها الصحفي الذي كان بجانبي أنه لم ينشر .
والأخرى : كانت عن استعماله لكلمة قانون ، وأنه أفاد من المداخلة حولها ، وهو ما أكّده لي على مائدة الطعام بعد الجلسة فقد اتصلت به وبينت له مرادي ، إذ لم ألبث وأنا على مائدة الطعام إلا وهو يفاجئني ويجلس بجانبي جزاه الله خيرا .
وأعدت له توضيح ما أردت ، وسألته عن المقال الذي كان مستبعدا من النشر ؛ فبيّن لي أنه نشر .. فعلمت منه أنه نشر ، وهذا يعني أنه نشر فيما بعد جمعا بين المعلومة السابقة وهذه المعلومة ..
وهنا أدركت أنه لا بد من تحديث المعلومة فيما من شأنه التغير لعدم وجود قاعدة تحكمه . وهي فائدة جليلة خرجت بها من هذا الموقف الذي لم يخل من إحراج !
ودار بيننا حديث في قضايا متعددة ، وسلمني نسخة من الورقة التي قدمها فشكرته كثير ا على ذلك ، لأنها لم تكن ضمن الأوراق الموزعة في الحقائب .
ثم أخذنا نتحدث مع رئيس مجلسنا - حول المائدة - الشيخ الجليل والفيلسوف السلفي الكبير الدكتور شيخنا الشيخ جعفر إدريس حفظه الله !
وكان من فوائد الجلسة : بيان الفرق بين العبيد في مفهوم المجتمع الأمريكي ، وأن المراد بهم من أتي بهم مستعبدين من قبل ، لا من أتوا مهاجرين فيما بعد ، ولو كانوا ملونين .
وتوضيحا للأمر رأيت كتابة هذا لمن شا أن يفهم حقيقة ما جرى ، ويفيد منه ..
وفي الحديث فوائد وفرائد ، وهو حديث ذو شجون ..

الأحد، 2 نوفمبر 2008

خبر وتعليق بشأن الجمعية السعودية للعلوم السياسية

خبر وتعليق بشأن الجمعية السعودية للعلوم السياسية
الخبر :
الجزيرة - معن الغضية / تصوير - مشعل القدير:
شهدت قاعة الشيخ حمد الجاسر بجامعة الملك سعود مساء يوم الاثنين ولادة الجمعية السعودية للعلوم السياسية، حيث تم إجراء الانتخابات لاختيار الرئيس ونائبه وأعضاء المجلس في جو من التفاؤل بهذه الجمعية الوليدة. من جانبه صرح الدكتور عبد الكريم الدخيل عضو الجمعية وعضو التدريس بقسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود والذي أشرف على انتخابات الجمعية خلال ليلة الانتخابات بأن التحضيرات لقيام الجمعية كان قبل سنتين، حيث تم خلال هاتين السنتين وضع اللوائح الداخلية للجمعية ودراسة كافة الأنظمة التي سوف تقوم عليها الجمعية، وأشار بقوله إلى أنه تم انتخاب الدكتور محمد مفتي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود رئيساً للجمعية والدكتور شافي الدامر عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن نائباً للرئيس، كما تم تشكيل مجلس الجمعية المكون من تسعة أشخاص، وأضاف أن مدة رئاسة الجمعية تستمر ثلاث سنوات. وعن مقر الجمعية قال في معرض كلامه إن مقر الجمعية سوف يكون في جامعة الملك سعود، حيث تجاوز عدد المنضمين إلى عضوية الجمعية أكثر من 99 شخصاً من أعضاء هيئة التدريس ومن المهتمين وحملة شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية.

------------------
التعليق :
حيث كنت أحد المشاركين في إشهار هذه الجمعية مع بعض أحبتنا .. آملين أن تكون بوابة خير لتأكيد أصالتنا ، وتطوير معاصرتنا .. فإنني أكتب بعض ما نفثه الفؤاد ..
أظن أن الجمعية السعودية بهذا المجلس الذي تم انتخابه في عملية انتخابية نزيهة - تكون قد حافظت على سعودتها الإسلامية فكريا ، أي في إطار الإسلام عقيدة وشريعة ؛ حيث فاز بعضوية مجلس إدارتها ثلة من الأخيار الأحرار ، الذين يعرفون قدر دينهم ، ويدركون عمق شريعة ربهم ، ويحرصون على وطنهم ، ويعرفون حق أمتهم ؛ فجميع من عنيت ، ممن لهم عناية بالسياسة الشرعية . وقد رشحت ستة من هؤلاء ، منهم رئيس الجمعية د. محمد مفتي وفقه الله ! وهو ممن لهم جهود مشكورة في تأصيل العلوم السياسية تأصيلا شرعيا ..
وقد كان حضور السياسة الشرعية مهما في جمعية كهذه يفترض أن تنهض بوظيفتها في ترسيخ معنى السياسة الشرعية كحاكم على السياسات الوضعية ..
نعم كان من المؤسف أن إعلانات الجمعية السابقة للإشهار تجاهلت جامعات مهمة ، منها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، مع أنها الجامعة التي تحتضن أقدم قسم في السياسة الشرعية ، والمعهد الوحيد في المملكة الذي يمنح درجة الماجستير والدكتوراه في السياسة الشرعية ..
وهذا التجاهل في نظري يُعد حركة غير لائقة بأي حال ؛ وربما يمكن وصفها بأنها حركة غبية ، وهي على كل حال تكشف أمرين مهمين أو أحدهما :
الأول : الجهل بعلم السياسة الشرعية ، وشموله للعلوم السياسية بوصفه علما يدرس العلوم السياسة كأدوات وتجارِب يمكن الإفادة منها في بناء السياسة الشرعية بناء يتمتع بأصالة المضمون وعصرانية الوسائل والآليات .. ويدرسها كمسائل تتطلب أحكاما شرعية في ظل المرجعية الشرعية الإسلامية العليا ..
ومن هنا يجب أن يكون من المخجل ، مما ينبغي علمه لمن استمرأ هذا التصرف : أن السياسة الشرعية منصوص عليها نصاً صريحا في النظام الأساسي للحكم ، وبصفة هذه الجمعية جمعية سعودية ، كان من الواجب أن يلحظ العاملون في تنظيمها قبل إشهارها والعاملون فيها بعد الإشهار - ذلك ، وأن يولوه عناية فائقة ..
الثاني : وجود أدلجة فكرية خاصة لدى من فكر هذا التفكير ودعمه ، ووجود فكر إقصائي لا يلتزم بأدنى المعايير الوطنية لجمعية وطنية . وعليه تكون هذه الأدلجة قد وصلت إلى درجة تجاهل المجتمع والأمة ؛ بتجاهلها لمكونات الوطن الرئيسة ..
ومما ينبغي أن يدركه هؤلاء ، أن جامعة هارفارد تعترف بعلم السياسة الشرعية علما مستقلا ، ليس له مصطلح آخر ، فهو هو : السياسة الشرعية . فلا يمكن تصنيفه في غير السياسة ! فليكونوا مثل الهارفارديين الأصليين على أقل تقدير ..
وعلى كل حال / فلا يصح إلا الصحيح .. ويبقى التوفيق بإذن الله حليفا لمن يعمل لله بتوفيق الله ..
ونسأل الله تعالى التوفيق لأحبتنا في هذه الجمعية ، ونتمنى أن تكون رابطة خير وتوفيق لجميع المتخصصين في السياسة الشرعية وما يندرج تحتها من أو يخدمها من العلوم السياسية ..

من خصائص رواد الصحوة الأوائل من خلال شخصية أحدهم ..

من رجالات الصحوة الذين نحتاج إلى تذكر نتاجهم حيث يعيد التاريخ نفسه ..
الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله .. شخصية فريدة .. وقناة مستقلة .. كانت تبث في أشد الأحوال ، بل وفي أصعب الظروف تحت القصف .. فربما ودّع جمهوره قبل أن ينزل من منبره !! إنه هم الرسالة .. وصدق الإيمان .. والثقة في المبدأ .. والشعور بالمسؤولية .. فالتدين والبذل للدين ليس في أحوال دون أحوال ، بل في كل حال بما يناسبها .. وحينئذ لا تجدي محاولات المساومة .. ولا إغراءات المادة .. ولا تأوّلات التراجع .. نسأل الله تعالى أن يثبت أولياءه ، فما أروع خاتمة الرجل ، إذ استجاب الله دعاءه فقبضه إليه وهو ساجد ! نسأل الله تعالى أن يكتب له ثواب المتقين ..
رحمه الله .. رحمه الله ..
لقد كان قناة بكل تجهيزاتها وعدتها .. حين لم تكن للصحوة قناة في مثل خصائصها ، إلا ما شاء ربك ..
( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، وكلا وعد الله الحسنى )

لقد كان رحمه الله قناة عالمية لكنها لم تكن تبث على الهواء مباشرة إلا في مسجده الذي يحتشد فيه المسلمون ، ويردفهم في الحضور الأقباط !! نعم لم يكونوا يدخلون المسجد ، لكنهم كاوا يطلون من شرفات شققهم السكنية ، ويقفون في أقرب نقطة بعد صفوف المسلمين إن أمكنهم .. حتى في سياراتهم إن لزم الأمر ..
أما بثها في عموم القاهرة فربما أخذ ساعات ، وأما بثها لبقية الديار المصرية فربما لا تحتاج لأكثر من مدة أقرب رحلة تنطلق إلى حيث تصل ..
وأما بثها خارج حدود مصر ، فتختلف من بلد إلى آخر ، ولكنها قد لا تزيد عن أسبوع في بعض البلاد مع ضعف المواصلات والاتصاللات ، لكنها شدة الطلب ..
ومن لم يصله البث يصله الخبر ، ويتداوله الناس في المحافل والمجالس ..
قناة من غير مقدم ولا مذيع ولا تحتاج إلى فواصل للتواصل ..
فهل نتذكر أولئك المحتسبين الذين لم يكونوا يقبضون درهما ولا دينارا في سبيل الدعوة إلى الله تعالى ؟!

وهذا مقطع فيه قصته مع نصراني أمريكي أتى ليناظره فعاد إلى أمريكا مسلما :
http://www.isyoutube.com/musicvideo.php?vid=f25e13a2c
وهذه مجموعة من المرئيات والمسموعات القصيرة للشيخ رحمه الله :
http://www.isyoutube.com/category.php?cat=ShikKishk&page=1

السبت، 1 نوفمبر 2008

كنت أجالسه كثيرا وإن لم أقابله إلا مرّة ! رحمة الله عليه !

الإخوة والأخوات .. هذه كلمات جرى بها القلم للتو ، ومن عادتي أن لا أقاطع القلم ما أمكنني ذلك ، فلم أشأ حجبها عنكم .. ولا سيما أنها من نوع خاص ..
-------------
نعم كنت أجالسه ساعات كثيرة ، وربما جالسته في اليوم الواحد بضع ساعات .. وإن كنت لم أقابله في حياتي إلا مرّة واحدة للأسف الشديد بعد أن وهن العظم منه ! وهي تلك الحال التي قال فيها يوما ما : لقد كبرت سني حتى لم أعد أطق المشيَ على قدمي من نجد - أو قال جدة - إلى بغداد !!
قابلته في داره ، بمدينة جدة قبل عقد من الزمن .. لكنني أكاد أتذكر كل ما في ذلك اللقاء الماتع النافع المحزن !
أكاد أتذكر ما فيه من حركات وسكنات ، والتفاتات ، وعبارات ... نعم سألته أسئلة علمية في ألفاظٍ اللغة المعربة والمولّدة ، إذ كنت شغوفا بذلك إذْ ذاك ..
وهكذا القلب إذا أحبَّ حفظ عن المحبوب ما يُحفظ وما لا يحفظ !
ذكريات الشيخ علي الطنطاوي ذكريات لها مذاقها الخاص ، وطعمها الفريد ، ونكهتها المميزة .. يتحدث فيها عن الشيخ علي الطنطاوي حديث الغريب عن الغريب ، والقريب عن القريب ، والغريب عن القريب .. يتحدث فيها عن تاريخ لا تكاد تجده عند غيره ، وعن تجارِب لا تكاد تسمعها من سواه ، وعن معترك حياة في ظروف عادية وغير عادية .. بل ويتحدث فيها عن نفسه وخلجات قلبه بصوت مسموع وأحرف بارزة ، يتحسسها الكفيف قبل أن يراها البصير .. تتسم بالصراحة والوضوح والتلقائية .. وكنت كتبت من قبل عن الأدب الذي مضى رجاله ، وكان مما جاء فيما كتبت لبعض الأعزاء مما ورد فيه ذكره :
" ورحم الله أيام فقيه الأدباء وأديب الفقهاء ذي القلم المعبر ، والعبارة الصادقة ، والمكاشفة الحقيقية حتى للذات ، أعني العلامة علي الطنطاوي عليه رحمة الله ! أديب يُضحك ويبكي ، ويهذِّب ويؤدَّب ، ويُحزِن ويفرِح !أدب بمعنى الكلمة ، لا كما هو واقع اليوم من قلة أدب بمعنى الكلمة ...
يقول العلامة الطنطاوي : الأدب إنما هو لخدمة الدين والوطن والأخلاق ، فإن خلا من أي من هذه ، فهو هذرلا قيمة له !لقد كان هذا جوابه الحاسم لمعركته مع أستاذه الشاعر شفيق جبري ، التي كانت بعنوان : هل يكون الأدب للأدب أم يكون للحياة ؟!
رحم الله أبا بنان ، فلقد ذهب ولم ير كثيرا من الهذر الذي يسمى : روايات وربما قدم لها بعض أصحاب الوزارات ! " ...

وما دعاني للحديث عنه الآن : رسالةٌ وصلتني تحمل ذكريات من تلك الذكريات ، لم يوثقها مرسلها ، لكن مضمونها موجود في الجزء الرابع من كتاب الشيخ : ( ذكريات ) ، ففيه تحدث الشيخ عن ذكرياته في المدرسة الغربية ببغداد ص 115 وما بعدها .. وهي ذكريات مليئة بالعبر ، منها حديثه عن اليهود الذين كانوا يمثلون تسعة أعشار الطلاب في الأقسام العلمية ! ووقع أن كان الخمسة الأوائل منهم ! وكيف تعامل معهم بمنهج العدالة بعد أن غاظ المديرَ شأنُهم .. وهذه قصة الشيخ علي الطنطاوي ملاكما .. بنصها الذي وصلتني به ، وفيها اختلاف يسير لا يضير ..

" ممّا وقع لي في بغداد تلك السنة (1939) أنني دخلت في فرقة الملاكمة فتعلّمت من هذا المدرّب الألماني وقفة الاستعداد وأنواع اللكمات: المستقيمة الأمامية والمنحنية الجانبية والقصيرة الصاعدة. والقاعدة عندهم أن يستعمل المبتدئ في بداية التدريب يده اليسرى وحدها، حتّى إن من المدربين من يربط اليمنى حتّى لا يستعملها.
تدرّبت أولاً على الكيس الثقيل، ثم شرعت أنازل بعض الطلاّب، أضربهم ويضربونني، فإذا دخلت الفصل عدت مدرّساً وعادوا طلاّباً. وأشهد أن طلاّب العراق يعرفون الانضباط تماماً.
ولبثت على ذلك شهوراً، حتّى كان يوم أصابَتني فيه ضربة من طالب تورّمَت منها عيني وظهر أثرها عليها، فقلت للمدرب: إلى هنا وبَسْ (وكلمة "بس" بمعنى "فقط" فصيحة معرَّبة من القديم).
ولكن سرعان ما طبّقت ما تعلمتُه من دروس الملاكمة؛ ذلك أنني زجرت يوماً طالباً مسيئاً يبدو أنه من أسرة غنيّة وجيهة، فحقد عليّ أهله.
وكنت في صباح يوم مطير من أيام الشتاء أمرّ أمام وزارة الخارجية ذاهباً إلى المدرسة، فاعترضني رجل طويل ممّن يُدعَون في بغداد "أبو جاسم لِرْ" أي من صنف الفتوّات كما يُقال في مصر أو القَبَضايات كما يُقال في الشام. وكلمة "لر" تركية هي علامة الجمع عندهم.
ففتح معي باباً للشرّ وقال: لماذا شتمت فلاناً (يعني من الطلاّب؟) أما عرفت من هو؟ وهل بلغ من قدرك أن تتطاول على ابن فلان؟ فقلت له: حافظ على أدبك، وإن كان لك كلام فراجع مدير المدرسة.فقال قولاً بذيئاً وهدّدني وأمسك بصدر ردائي حتّى كاد يشقّه، ثم لوّث ثوبي بحذائه المحمّل بالوحل والطين فترك عليه أثراً ظاهراً. وكان يمشي إلى يساري، فقبضت يدي وتناولته بلكمة جانبية جاءت تحت صدغه لم يكُن يتوقّعها.وتجمّع الناس وحالوا بيني وبينه، ولم أعد أستطيع المشي إلى المدرسة بهذا الثوب الملطّخ بالوحل فأخذت عربة (عَرَبانة كما يقولون) وذهبت فبدّلت ثيابي، ومررت بالأخ الكبير الذي كان مَفْزَعنا في كلّ مُلِمّة تُلِمّ بنا، الأستاذ بهجة الأثري، فخبّرته. فقال: لا تدير بال (أي لا تُدِرْ لها بالاً).
ووصلت المدرسة متأخراً فوجدت شيئاً عجيباً؛ الطلاّب جميعاً يستقبلونني يحفّون بي، يقولون: "خاطر الله شنو هذا" ماذا عملت؟ كيف ضربته؟ وأسئلة كثيرة من أمثال هذه كرّت عليّ باكراً. قلت: ويحكم، خبّروني أولاً ما القصّة؟فإذا القصّة أن هذا الذي ضربتُه معدود في حيّه من أبطال الرجال لا يقدر عليه أحد، أو هو يوهم مَن حوله بأنه لا يقدر عليه أحد. فلما يئس من أن ينتقم مني بيده ذهب إلى المخفر وشكاني، وكانت اللكمة قد أصابت أصول أسنانه فنزل منها الدم، فهوّل الأمر على الضابط وكبّره حتّى أحالوه إلى الطبيب الشرعي.
ويظهر أنه استمال الطبيب فربط وجهه بالرباط الأبيض ورجعه إلى الضابط، فبعثه الضابط مع شرطي إلى المدرسة يفتّش عن المجرم الذي اعتدى على هذا البطل... وكنت أنا ذلك المجرم.فكانت دعاية لي بأنني قهرت مَن هو أقوى الرجال وأنني صرت بذلك من الأبطال، وذهبوا فحدّثوا بالقصّة إخوانهم وأهليهم، وزادوا في سردها على عادة الناس في المبالغات، وملّحوها وفَلْفَلوها ووضعوا لها الحواشي والذيول، فكانت النتيجة أنني صرت بطلاً. والحقيقة كما قال المثل: "مُكرَه أخوك لا بطل"!جوال الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله - " ...

الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

فائدة أندلسية : لماذا زيدون ؟ وخلدون ؟ وماذا صنع حفصون ؟


فائدة أندلسية :
" ما كنت أعرف ولا غيري من مدرسي الأدب في مصر يعرف كيف يغلب على الأسماء العربية في الأندلس والمغرب وجود مثل : زيدون ، وعبدون ، وعيشون ، وخلدون ، و وهبون ، وسعدون إلخوكان الظنّ أن هذه من صيغ جمع المذكر السالم ، ثم غلبت على أسماء الأفراد .ولكن اسمع ما حدثنا به المسيوكولان الأستاذ بمدرسة اللغات الشرقية في باريس :اللغة الإسبانية تضيف إلى أواخر الأسماء لفظ ( اون ) للتعظيم ، وقد نقل العرب ذلك عن الأسبان حين اتصلوا بهم في الأندلس ، فقالوا في زيد ( زيدون ) وفي وهب ( وهبون ) وفي عيش ( عيشون ) إلخ ..وقد جاء في كلام لسان الدين الخطيب عمن اسمه حفص ، ما معناه : لقد كان مكتفيا باسمه حفص ؛ فلما أيسر واستغنى تطاول واستكبر وسمى نفسه ( حفصون ) .
ومن أمثال أهل المغرب : (إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي كلبون )أليست حقا هذه فائدة مهمة جدا ؟وبهذه المناسبة أذكر أن الأستاذ أحمد زكي باشا كان يلقي محاضرة منذ نحو خمسة عشر عاما [قبل 1354هـ] عن عرب الأندلس ، فذكر من خصائصهم أنَّ منهم من كان يقول : ستين وعشرة في مكان السبعين ، وكأن الأستاذ يريد أن يقول : إن مرونتهم في التعبير وصلت بهم إلى مثل ما يعبر اللاتينيون .فلتعرف الآن أن عرب الأندلس لم يقولوا ستين وعشرة في مكان السبعين إلا تأثراً باللهجات اللاتينية ، أو تسهيلا للتفاهم مع الأسبان المستعربين ." .
قلت : ولا زال استعمال ( اون ) في أواخر الكلمات موجودا في لغة الإسبان إلى اليوم ! وربما أضافوا تاء التأنيث العربية ونطقوها هاء وقفا ووصلا .
ومن ظريف لغة القوم أن من استمع إلى نطق بعض أهالي الأقاليم الأندلسية ، وجدهم ينطقون الثاء محل السين أو الشين ، كقول بعضهم : برثلونة وقول آخرين برسلونة ، يعنون : برشلونة ؛ و سفليا مكان إشبيلية مثلا .
ومن الكلمات الدارجة عندهم الترحيب بكلمة ( أولا ) ، وربما كان أصلها : أهلا !
ولقد علمت من بعض أهل الشأن في اللغة الإسبانية أن بها اليوم ما يقارب الستة آلاف مفردة عربية ! فتلك بقايا لغتنا في دارٍ حكمتها الشريعة الإسلامية حقبا من الزمان ، وانطلقت منها جيوش نشر الحرية في عصور الظلام الغربي ..

ذكرني حارب بالطنطاوي وزكي و ( ألحان السماء ) و ( تاكسي ) ..

هذه مقالة جديدة في محتواها وإن كانت شبه حولية في عمرها ! بعث بها إلينا أخونا المفضال أبو عمر سلمه الله !
وحيث إنها قيمة ، تستحق مزيدا من الانتشار ، فقد رأيت أن أضيفها هنا ، مع تعليق بعثت أصله لصاحب الفضل الأول في بعثها لنا ..
---------------
أدباء أم بلهاء
ياسر سعيد حارب
ليس من عادتي أن أقرأ روايات لأدباء عرب لأسباب كنت أحتفظ بها لنفسي، ولكنني قررت اليوم أن أفصح عما في داخلي علّني أجد إجابة عند قرّاء هذا المقال، فقبل يومين كنت أتفحص ركن الروايات في مكتبتي المتواضعة فوجدت رواية "شيكاجو" التي اشتريتها قبل عدة أشهر لا لشيء إلا لأنني قرأت عنها الكثير من الإطراء والمديح، وعندما وجدتها أمامي في المكتبة التي عادة ما أرتادها مرة كل أسبوع اقتنيت نسخة منها علّني أجد فيها ما فاتني من الأدب العربي الذي توقف إنتاجه بتوقف مجلة الرسالة التي أسسها أحمد الزيات في ثلاثينيات القرن المنصرم، حيث حوت تلك المجلة بين دفتيها جواهر الأدب العربي الحديث وأجمل ما سكبته أقلام الأدباء العرب الذين كانت مصر أمهم وأم الدنيا آنذاك.بدأت أقلّب صفحات الرواية على عجل لأصل إلى شيء مفيد أو متميز، فما كتب على ظهر الغلاف الخارجي يشير إلى أن الرواية هي ظاهرة أدبية متجددة لم يقف عندها مؤلفها الذي ابتدأ حياته الأدبية برواية "عمارة يعقوبيان" التي أثارت زخماً إعلامياً كبيراً وبيعت منها مئات الآلاف من النسخ. كنت أجتهد كلما فتحت صفحة جديدة في أن أجد لفظاً أدبياً متميزاً أو تشبيهاً بليغاً أو استعارة مكنية أو أي شيء من أبجديات الأدب العربي الذي تعلمناه في المدارس إلا أنني لم أجد شيئاً من ذلك القبيل، فانصرفت إلى البحث عن الحبكة التي وعدني بها مروّج الرواية فلم أجدها أيضاً، وكان جل ما قرأته هو كلام سلس غير معقد - وهي إحدى مميزات الرواية - ومعنى أكثر سلاسة إلى درجة السطحية. فالكاتب يصف أموراً بسيطة بدقة متناهية كلون البنطال الذي يرتديه فلان ونوع قميصه وشكل شعره بطريقة تحرم القارئ من متعة الخيال التي هي أجمل شيء في القراءة، فوجدتني أغلق باب الخيال على مصراعيه وأريح ذهني من تصوّر الأماكن والأبطال وكأنني أشاهد أخبار الساعة العاشرة مساءً.وجدت الكاتب يعيد كرته التي بدأها في "عمارة يعقوبيان" - التي لم أكمل قراءتها أيضاً - حيث احتل الجنس والوصف الدقيق للممارسات الجنسية الساقطة والوصف البذيء لجسد المرأة ومفاتنها وللأعضاء التناسلية لها وللرجل تتصدر صفحات الرواية، فرميتها دون أن أبالي، ولولا أنها تحمل اسم الله لألقيتها في سلّة المهملات.إن أحد أسباب عدم قراءتي للروايات العربية هو ابتذال روائييها للحديث وسقوط أفكارهم حيث يمنون القارئ بالتشويق وبالحبكة المحكمة، وحين يقتنيها القارئ المسكين يكتشف أنها فيلم إباحي خالٍ من الصور (البلاغية) ولكن ما يثير حنقي على هؤلاء (الأدباء) وقرائهم هو طريقة تسويقهم لرواياتهم التي يدّعون أحياناً أنها تعكس واقعاً حقيقياً يعاني منه المجتمع، وأحيانا أخرى يقولون إنهم يتحدثون عن الميتافيزيقيا - وهي عالم ما وراء الطبيعة حيث ينسب إليه كل ما يعجز الإنسان عن تفسيره - ويأتون بكلمات يعجز حتى أرسطو عن استيعابها، ويدافعون عن رواياتهم بزعمهم أنها قضايا لابد أن تناقش وبأدق التفاصيل، وسؤالي لهؤلاء هو لماذا يتركون أدق التفاصيل التي كان من الأولى أن يركزوا عليها ويتفرغون للحديث عن أدق التفاصيل الجنسية التي يستحي الإنسان من ذكرها حتى بينه وبين نفسه؟لم يكتف هؤلاء (الأدباء) الذين بدأت كتبهم تعتلي قائمة أفضل الكتب مبيعاً بتشويه صورة الأدب العربي والشرقي لدى القارئ العالمي حتى صوروه وكأن كل الرجال العرب شهريار وكل العربيات شهرزاد، بل إن بعضهم تجاوز الخطوط الحمراء وأخذ يقذف الذات الإلهية ووصف الله تعالى بأوصاف لا تليق حتى بمخلوق وعللوا ذلك بقولهم إنهم يطرحون الرأي والرأي الآخر دون أن يكون لهم دخل في الحوار الذي هو من محض خيالهم! إن الأدب هو انعكاس لطبيعة المجتمع وأحواله وليس العكس، ومن يتنطع بمقولة "الجمهور عاوز كده" فإن الجمهور يريد أشياء كثيرة فلماذا لا يحققها كلها له إذن؟ فالجمهور يريد مسكناً ووظيفة وزوجة فلماذا لا يقدمها له إن كان هو وصياً على تحقيق رغبات الجمهور؟عندما نقرأ الأدب اللاتيني نجده يدور حول المعاناة والفقر والطموح وهذه بعض مواصفات المجتمع الذي نبع منه، والأدب الألماني يتحدث عن الهوية الوطنية والأيديولوجيا الاجتماعية وأزمة التعرف على الذات التي يعيشها المجتمع الألماني منذ أن هزم في الحرب العالمية الثانية حتى نشأ نوع جديد من الأدباء يسمونهم "أدباء ساعة الصفر" وهم الذين يسعون من خلال أدبياتهم لإيجاد أجوبة للأسباب التي جعلتهم يوماً ما أمة استعمارية تستبيح دم العالم وتمتهن القتل والنهب؟ فهل أصبح الأدب العربي أدب الرذيلة والإلحاد؟ أم إن الجمهور العربي أصبح ساقطاً ومنحلاً؟قد لا يجانب هؤلاء (الأدباء) الصواب في بعض صفحات رواياتهم، فهم يضعون أيديهم أحياناً على مواضع الجرح ولكنهم يحدثون في الجسد العربي جروحاً أخرى أكثر عمقاً من جروحه الأصلية وأكثر إيلاماً له ولروحه، وإن بعض الصواب في الخطأ لا يجعل الخطأ صواباً. أعجب ممن يعيشون حياتهم كلها في قصة حب وهمية، وممن يظنون بأن جميع الناس عشاق في هذه الدنيا، وعلى الرغم من أنني أؤمن بأن حديث الحب له وقعه الإيجابي في القلوب إلا أن الرذيلة التي نقرؤها في الروايات العربية اليوم لا تمت لهذا الحب بأية صلة، وقديماً قال أحد الأدباء إن الحب هو عمل فني من أعمال النفس، أما الفضيلة فهي النفس ذاتها، وإذا كان الحب أياماً جميلة عابرة في زماننا فإن الفضيلة هي الزمن كله... وهي كالياقوتة التي لا تأكلها النار.ويقول طه حسين في هذا السياق:"الأديب لا يحس لنفسه وإنما يحس للناس، وهو لا يشعر لنفسه وإنما يشعر للناس، وهو لا يفكر في نفسه وإنما يفكر للناس، وهو بعبارة واضحة لا يعيش لنفسه وإنما يعيش للناس" فهل يوقن (الأديب) العربي بأنه يفكر للناس وليس لنفسه فقط، وأن كلماته تبقى حبيسة فؤاده فإذا ما أطلقها أصبح هو حبيسها... وبأن التاريخ لن يسامحه يوماً لأنه ابتذل الأدب وسفّه بالعقول ولطّخ صفحات الأدب العربي لا لشيء إلا ليقولوا عنه إنه ظاهرة أدبية.*كاتب إماراتي

--------

قلت : حقا إنها لمقالة قيمة ! ما أروع الصراحة والوضوح ..
مقالة تعبر عن رأي شريحة كبيرة من القراء الذين لا يجدون فيما يكتبه أدعياء الأدب غير قلة الأدب ! أو كما وصفه ياسر : أدب الرذيلة والإلحاد !
من المشكل : أن رؤوسا من هؤلاء ليسوا سوى حيارى يتيهون في التعبير عن الملذات هروبا من مواجهة الحقائق !
رحم الله أيام الزيات ، وأرسلان ، وأحمد تيمور .. ومحمود شاكر ... إلخ ..
مهما اختلف القاريء مع الأديب الحقيقي فإنه يكن له تقديرا واحتراما ، وإن من قبيل الاحترام المتبادل .. فكم تشدني كتابات زكي مبارك الأدبية ، وكم أجد من توصيف للمشكلات وإحصائيات في كتابات ما يكل مور وإن كانت من النوع الساخر ! وكم يستهويني وضوح محمود السعدني وأسلوبه الساخر ، وإن في كتابه الذي قدمه له الشيخ متولي الشعراوي : ( ألحان السماء ) ! أو حتى حواديت المشاوير ( تاكسي ) لخالد الخميسي ..
ورحم الله أيام فقيه الأدباء وأديب الفقهاء ذي القلم المعبر ، والعبارة الصادقة ، والمكاشفة الحقيقية حتى للذات ، أعني العلامة علي الطنطاوي عليه رحمة الله ! أديب يُضحك ويبكي ، ويهذب ويؤدب ، ويحزن ويفرح !
أدب بمعنى الكلمة ، لا قلة أدب بمعنى الكلمة ..
أعجبتني مقارنة ياسر بين صنيع قليلي الأدب أو فاقديه في عالمنا العربي ، وصنيع أدباء الإفرنج ، ذلك الأدب الذي يحمل هم أمة تبكي مجدا ، لتعيده ، أو تسعى في صنع آخر من جديد !
يقول العلامة الطنطاوي : الأدب إنما هو لخدمة الدين والوطن والأخلاق ، فإن خلا من أي من هذه ، فهو هذرلا قيمة له !
لقد كان هذا جوابه الحاسم لمعركته مع أستاذه الشاعر شفيق جبري ، التي كانت بعنوان : هل يكون الأدب للأدب أم يكون للحياة ؟!
رحم الله أبا بنان ، فلقد ذهب ولم ير كثيرا من الهذر الذي يسمى : روايات وربما قدم لها بعض أصحاب الوزارات !
---------
قلت وفي الأسبوع الماضي توفيت يمان بنت علي الطنطاوي فرحمة الله عليهما ..

الجمعة، 10 أكتوبر 2008

أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي: من ذكريات الصبا وبدايات النشأة ..

أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي: لماذا المدونة ؟

حول استضافة الأستاذ عمرو خالد لي ؟

أسئلة د. فهد السنيدي حول استضافتي في برنامج الأستاذ عمرو خالد ..
س/ استضافة الأستاذ عمرو خالد لكم في برنامجه ما قصة الاستضافة ؟
ج/ ليس ثمة قصة بالمعنى الذي قد يُفهم من مدلول القصة ..
وما أذكره أن الأستاذ عمرو كان حريصا على موضوع التعايش ولا سيما بعد زيارته لشيخنا سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله في منزل سماحته بالرياض ، وهي زيارة شهدها جمع من الفضلاء من أساتذة وطلبة علم ، وخرج منها الأستاذ عمرو بانطباع أحسن بكثير من انطباعه السابق ، كما صرح لي ولعدد من الأساتذة بذلك ..
ولا غرابة أن يخرج بهذا الانطباع من مجلس سماحة الشيخ الذي شكر الأستاذ عمرو خالد على جهوده الدعوية ، وبيّن له بعض ملاحظاته على تلك الجهود بأسلوب أبوي رفيق ، سائلا الله تعالى أن ينفع بجهود الأستاذ عمرو ويرزقه الإخلاص في القول والعمل ، ويثبته على الحق .وقد فاتحني الأستاذ عمرو بفكرة موضوع الأئمة الأربعة بعد تلك الجلسة مع سماحة الشيخ ، وطلب مني مقترحات بشأنها ، وأبديت له ما يسر الله تعالى ، وبعض ما طلب مني تزويده به حول هذا الموضوع .
ثم طلب مني بعد ذلك المشاركة فيها ممثلا للمتتلمذين على نهج المدرسة الحنبلية ، واعتذرت منه شافعا اعتذاري باقتراح بعض الشخصيات الأنسب من وجهة نظري ، لكنه أصرّ على استضافتي فطلبت منه أن يمهلني مدة ، فلم يبث أن عاود الاتصال فوافقته وأبديت له حرصي على عدم وجود بعض المظاهر التي أخالفه فيها فوفّى بما وعد ، نفع الله به وبارك في جهوده ، وكفاه شر الأشرار .

س / ولماذا التركيز على الإمام احمد في الحديث ؟
ج / هل تعني أن الإمام أحمد حظي بحلقتي استضافة ، بخلاف بقية الأئمة ؟ فمن تابعوا البرنامج يعلمون أن الإمام أحمد رحمه الله جاء في الحلقات الأخيرة من البرنامج في تسلسل عادي ، بحكم كونه آخر الأئمة الأربعة من الناحية التاريخية ، فبعد الانتهاء من الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي جاء الحديث عن الإمام أحمد رحمهم الله جميعا .

س / هل صحيح ما قيل إن عمرو خالد قال لكم لقد غيرتم نظرتي عن الحنابلة أم هذا كلام لا صحة له ؟
ج/ كان للقاء الأستاذ عمرو بسماحة شيخنا مفتي عام المملكة أثرا حسنا ، وقد حدثني الأستاذ عمرو بذلك أكثر من مرة وأشار إليه في إحدى الحلقات ، وربما كان لتعامله المباشر مع بعض المتتلمذين على أصول المدرسة الحنبلية ، وعنايته الخاصة بالقراءة عن شخصية الإمام أحمد رحمه الله أثر ظاهر في تأثره بحياة الإمام أحمد الخاصة ، وهو ما لحظه بعض متابعي البرنامج ، والأستاذ عمرو كان يحضِّر للموضوع ووقوفه على مسائل عديدة من فقه التيسير المستند إلى يسر الشريعة نصوصها وقواعدها ، وقد أخبرني بإعجابه بشخصية الإمام أحمد أكثر من مرة ، وبسعة الفقه الحنبلي عكس ما هو شائع عنه هذا الفقه من سوء فهم ، وكنت أعرف ذلك من حرص الأخ عمرو على جمع المصادر والمراجع ، وسؤاله عن بعض المصادر ومدى مصداقيتها التاريخية وأهميتها في استخلاص الفوائد التربوية ونحو ذلك ، ورأيت أثر قراءته في بعض كتبه الخاصة من خلال تعليقاته وتعليمه بالقلم والفواصل على مواطن معينة منها .

س / كيف وجدتم أصداء اللقاء داخليا ( سعوديا ) فقط لان التقييم هنا هو الأصعب حول اللقاء ؟
ج / هذا سؤال مهنة يا أبا ياسر !
وأقول : أصداء ذلك مما بلغني – على الأقل - حسنة جدا ، بل كانت من النفع فوق ما كنت أتوقع بكثير ولله الحمد والمنة ، ولم يردني ما يفيد خلاف ذلك إلا رسالة هاتفية واحدة ، لم أتجاهل صاحبها بل أبديت له وجهة نظري .
نعم وردتني أسئلة استغراب واستفصال عبر البريد الرقمي ، لكنها ليست أسئلة انتقاد أو اعتراض ، بل هي على نحو ما جاء في سؤالكم .
وهذا من وجهة نظري يدل على توسع دائرة الوعي الإسلامي في مجتمعنا وغيره على نحو يبشر بالخير الكثير , وينبيء عن انتقال كثيرين من مرحلة لعن الظلام إلى مرحلة الترحيب بالغمام ..
أما خارج المملكة فأمر كنت أتوقع أثره الجيد ، بل كنت أستهدفه في الحقيقة ، وقد علمت أن بعض الفضلاء سجَّل الحلقتين على أقراص حاسوبية بغرض توزيعهما على بعض أبناء الجاليات الإسلامية في البلاد الغربية .

س / هل ستكررون التجربة في قنوات أخرى مع أمثال الأستاذ عمرو خالد ؟
شكر الله لكم
ج/ ربما يصح وصفها تجربة من جهة كونهما الأوليين بالنسبة لي مع الأستاذ عمرو خالد ، وقد سبق لي المشاركة في قنوات فضائية غير إسلامية ، مع رفضي للمشاركة في بعض القنوات التي لا تستهدف الخير من برامجها ذات الطابع الشرعي ، وقد صرحت بذلك لمن اتصل بي من مذيعيها ، وعلى كل حال فالقاعدة التي تلقيناها من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونهج العلماء المتبعين لهديه ولا سيما من المعاصرين ، هي الدعوة إلى الله تعالى بكل وسيلة مشروعة يستطيع الداعية فيها بيان الحق وتمييزه من الباطل ، فإذا إذا فسح لأحدنا مجال لنشر الدعوة الإسلامية الأصيلة على هذا النحو ، فلا ينبغي أن يتخلف مع القدرة ، ما لم تكن هناك اعتبارات أخرى تجعل من المصلحة التريث ، وتقدير هذه الاعتبارات داخل في دائرة الاجتهاد التي لا يسوغ التثريب فيها على الغير ، ولا سيما مع اختلاف العلماء والدعاة في نظرهم للأمور التي يؤثر فيها عوامل مختلفة ، منها ما لا يكون له صلة بالتأصيل الشرعي ومن ثم تحقيق المناط في المسائل .وهذا النهج رأيناه عمليا في تصرفات علمائنا الكبار من أمثال الإمام ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وغيرهما كثير ، من تلك النماذج التي تحسن تطبيق فقه التعايش الشرعي بين أهل السنة والجماعة .. ولو سرنا سيرتهما في واقعنا وتعاملنا الدعوي لكانت النتائج فوق ما نشهده من خير ولله الحمد .
وهذا المنهج أشرت إليه قبل عامين في قراءة لخطبة شيخنا سماحة المفتي في عرفة ، نشرت في حينه في الصحف وفي الشبكة العنكبوتية ، كما ذكرته قبل ذلك في ذكر بعض مآثر مشايخنا ، الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ عبد الله بن قعود رحمهم الله تعالى ، وقد نشرت في حينها في الصحف ، ونشر موضوع شيخنا ابن قعود في الشبكة العنكبوتية ومنها نقلته بعض الصحف .وشكر الله لك أبا ياسر فقد سعدت بحضورك وأسئلتك .

أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي: لماذا المدونة ؟

الخميس، 9 أكتوبر 2008

من ذكريات الصبا وبدايات النشأة ..

من ذكريات الصبا وبدايات النشأة ..
الاستفسار :
إن سمح لي الأستاذ فهد السنيدي مشكورا ، أن نبدأ بأسئلة أخف من الخفيفة فنحن نتمنى أن نتعرف على الشيخ قبل اللقاء أكثر فنود أن نعرف شيئا عن حياة الشيخ في الصبا ونشأته الأولى وحياته بعد ذلك، ودراسته النظامية ودراسته على العلماء لا سيما الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود –رحمه الله- الذي كتب عنه مقالا بعد وفاته وترقيه في مدارج العلم؟

الجواب :
أخي أبا أسامة ..
أولاً : وصف ( شيخ ) – ولا سيما في مثل هذا المقام - أكبر مني بكثير وأقول هذا حقيقة لا تواضعا ، فوالله إني لأحقر نفسي حين تُذكر هذه الكلمة في شأني ، ولا سيما بحضرة هذه النخبة من الإخوة الفضلاء والأخوات الفاضلات ..
ثانياً : هذا سؤال كبير ، والأصل أنَّ مثل هذا السؤال حقه أن يوجه لكبرائنا من ذوي العلم القائم والبذل الدائم .. وكم في ذلك للأجيال من نفع .. فأنا لا أشكك في أهميته ، ومن يقرأ كتاب : التوريث الدعوي ، للشيخ الدكتور محمد عقيل موسى سلمه الله ، يعرف قدر هذا النوع من الأجوبة ، وأهمية تدوينه من أهله .
وأعظم توريث علمي دعوي تربوي هو إرث محمد صلى الله عليه وسلم ، تلك الذكريات التي لم تُفصّل سيرة بشرٍ كما فُصِّلت ، فأُذكِّر بسيرة رسول الهدى ودين الحق الخاتم ، الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، التي أوجزتها أمنا عائشة رضي الله عنها في قولها : ( كان خلقه القرآن ) ، ولخصها الشاعر النصراني أبو محمد ! عبود مارون حين ختم مديحه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :
هادٍ يصوّر لي كأن قوامه متجسد من عنصر الإيمان
ومن أهم الأمور التي أود أن يتأملها الإخوة الفضلاء والأخوات الفضليات في جواب مثل هذه الأسئلة ، سواء كانت موجهة أو مقدّرة : ما كان من قبيل التجارب المفيدة ، والمواقف المؤثِّرة ، والإفادات العلمية ، والممارسات العملية بما لها وما عليها ، وما أكثر ما ينتفع القاريء بمثل هذا ، فهو لا يخلو من فوائد يعسر الوقوف عليها في غير هذه المواطن ، ولعل من أجود من كتب في الذكريات على هذا النحو المفيد من المعاصرين الشيخ علي الطنطاوي في ( ذكريات ) ، والشيخ أبي الحسن الندوي في ( مسيرة الحياة ) ، والشيخ يوسف القرضاوي في ( ابن القرية ) والأستاذ توفيق الشاوي في ( نصف قرن من العمل الإسلامي ) ..
ومن يقرأ ما جمعه الشيخ الفاضل محمد الحمد من مسيرة حياة الإمام ابن باز رحمه الله يدرك قيمة هذا الإرث العملي والتوريث الدعوي ..
ومن هذا القبيل ما نحرص على مشاهدته في قناة المجد من حلقات برنامج ( صفحات من حياتي ) الذي يتحفنا به الأستاذ فهد السنيدي سلمه الله ، وعسى أن تتحول هذه الصفحات من المجاز إلى الحقيقة فتكون مقروءة كما كانت مشاهدة مسموعة .
ثالثاً : لولا طرحك أخي للسؤال ووجود ما قد يفيد الآخرين في جوابه ، لاعتذرت عن الإجابة عليه مطلقا ، ولكن ربما كان فيما أذكره شيئ مما يرجى نفعه وثوابه برحمة الله .. وأن يتذاكر الزملاء شيئا من ذكرياتٍ لا تخلو من فائدة ، وأن يذكر الطالب بعض مشايخه وفاء لهم وبيانا لشيء من فضلهم عليه بعد الله تعالى ، ولتعريف الناس بهم ، ليفيدوا من علمهم ويدعوا لهم ، ويعرفوا أثرهم ، ويدركوا جهودهم في بناء صرح هذه الصحوة العابرة للقارات ؛ فيجتهد العامل وينهض الخامل ويندحر المبطِّيء – فهذا مدعاة للجواب مهما كانت الحال .
وعودا على بدء أقول : نعم للصبا ذكريات ..
وهي بالنسبة لي ذكريات طفل نشأ في كنف والدين محافظين ، لا يدعان وردهما من القرآن في حضر ولا سفر ما أمكنهما ذلك مع العناية بتدبره ، ولا يعرفان السلبية تجاه ما يريانه من خير وما دونه ، لهما في الناس ودّ وعن الشرّ بعد ..
وهي ذكريات متنوعة ..
منها : ما يلوح لي فيخفِق الفؤاد ،
ومنها : ما يحوم فتغرورق العينان ، وأخرى تنبسط لها الأسارير ولربما استضحكت صاحبها بابتسامات متتالية وليس ثمّ أحد !
ولكنها – صدقوني - ليست إلا بقايا ذكريات من زمان مضى ، كأنَّما هي مجلدات وضعت في ملفٍ مضغوط يختزل مرور الأيام وتمام الأعوام ومضي الزمان في عنوان من كلمة أو بضع كلمات ..
وأما ما بقي منها فأعظمه حفظ كتاب الله تعالى والفرح بمدارسته ، ذلك الكنز الذي لا أدري كيف سيكون حالنا لو لم ندر به ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ! ) فالحمد لله الذي أنعم علينا بتنزيله وأكرمنا بهدايته ، وأسأل الله تعالى أن يثبتنا على هديه ويعيننا على تعاهده و تدبّره .
والفضل في ذلك بعد الله عز وجل لشيخي الأول : أجزل الله ثوابه وأكرمه بواسع رحمته وفضله ، الذي أحرص على ذكر اسمه كلما كتبت اسمي - كما أدبني الشيخ الدكتور صالح الأطرم جزاه الله عني خيرا – فوالدي مطر رحمه الله هو من علمني كتاب الله تعالى ، وهو من ألحقني بحلقات تحفيظ القرآن الكريم الخيرية التي كان رائدها الشيخ عبد الرحمن آل فريان رحمه الله ، وهو الذي ألحقني بمدارس تحفيظ القرآن الكريم الحكومية ، التي كان هو أحد معلمي أجيالها في ثلة من المربين الكبار ، كالشيخ محمد بن سنان رحمه الله ، والشيخ محمد بن قاسم الجعفري ، والشيخ محمود بن عمر سكر والشيخ محمد بن إبراهيم آل طالب والد الشيخ صالح إمام الحرم وغيرهم من المربين الأخفياء ، وهذا الجيل تخرّج على أيديهم كثير من أبناء هذه الصحوة المباركة وقياداتها العلمية والدعوية في نجد وغيرها ، فمن تلاميذ الشيخ ابن سنان - مثلا - سماحة مفتي عام المملكة شيخنا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله ، وبمناسبة ذكر فضيلة الشيخ صالح آل طالب ، فهو أحد تلاميذ الوالد رحمه الله من جيل الشباب .
ولكل من ذكرت ذكريات خاصة واتصالات مستمرة بحمد الله تعالى ولا سيما الشيخ محمود بن عمر سكر والشيخ محمد بن إبراهيم آل طالب اللذين أحبهما مرتين : حب الطالب لشيخه الذي انتفع بعلمه وتربيته ، وحبّ ودهما لأبي رحمه الله مع ما جبلهما الله تعالى عليه من خلقٍ نادر .
وكان الوالد رحمه الله قد حفظ القرآن في الصغر على خاله ، وصلّى بالناس التراويح من حفظه قبل سن البلوغ ، ثم إنّه أخذ تحقيق تلاوته وتجويده فيما بعد عن الشيخ عبد الباري محمد رحمه الله ، وكان له بكتاب الله عز وجل عناية خاصة ، فهو يتلوه قائما وقاعدا وماشيا وراكبا ، وله في ذلك سيرة يعرفها من له به صلة ، وله عناية بالتفسير ، وقد أتم تفسيركتاب الله عز وجل في مسجده فيما أدركت مرتين على الأقل ، إذ كان يعلق فيه على مختصر تفسير ابن كثير وتفسير ابن سعدي رحمهم الله مع عنايته بآيات الأحكام كثيرا قراءة وشرحا ، ولم يكن يدون ذلك ، وإن كان له رسالة في التفسير الموضوعي لآيات الصلاة في القرآن يقوم على تهيئتها للنشر أخي يعقوب وفقه الله .

وأما طلب العلم بين يدي العلماء ، فهو الجزء الثاني من جواب سؤالكم هذا وسأقتصر فيه على ما أراه جديدا مفيدا في طرح مثل هذا الموضوع إن شاء الله تعالى .

الجزء الثاني من جواب سؤال أبي أسامة :

الحديث عن أهل الفضل والعلم الذين يُفيد منهم طالب العلم يطول ، فلكل معلمٍ مخلصٍ فضل على تلميذه ، ولا سيما من ينساهم الطالب حين يرتفع عن مستوى المراحل الابتدائية وما دونها والمتوسطة والثانوية ، بل والجامعية !!

ولا عجب فقد رأينا من ينسى فضل والديه نسأل الله العافية ، وإلا فكم لمعلمي ومعلمات تلك المراحل من فضل في تأسيس الطالب والطالبة وتوجيههما ، بل ربما كان بعضهم سببا في فيصل حياة مهم للمتتلمذ عليه وهو لا يشعر ! أو ربما لا يذكر !! وعزاؤهم أن الكريم سبحانه لا ينساهم ، ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) ، فهنيئاً لمن يُكتب أجره وأجور غيره في عزلة عن أسباب الرياء وبُعد عن مواطن الفتن .. وحسب الوفيّ أن يذكرهم فيشكرهم ، ويتذكرهم فيدعو لهم ، ولا سيما في مواطن الإجابة .وليس المجال هنا مجال ذكرٍ لهؤلاء بأعيانهم ، بقدر ما هو محاولة للاقتراب من بعضنا على نحو ما ورد في السؤال من غاية ، ولذا سأقتصر على ذكر بعض الأمور عن شيخ شيوخنا وعن شيخنا الذي ذُكِر اسمه صريحا في السؤال مع بعض الإشارات .

والدراسة في مجالس أهل العلم التي تُقصد عادة في مثل هذا السؤال ، لها جوانب مهمة قد تختفي مع أهميتها ما لم يوسع في التعبير فيقال : الإفادة من مجالسة أهل العلم ، وهي مجالسة لها صور أكتفي منها هنا بصورتين :الصورة الأولى : حضور الدروس المنتظمة للشيوخ الكبار أولاً ، مع الانتظام في حضورها ..

وقد بدأ حضوري لمجالس أهل العلم مع والدي رحمه الله ، إذ كان يحرص على مرافقتي له فيما يحضره من مجالس علمية كدروس الشيخ عبد الله بن حميد والد الشيخ صالح بن حميد حفظه الله ، تلك الدروس التي لم أدرك منها إلا شيئا يسيرا لا يتجاوز بضع جلسات أو تزيد قليلا ، بقي منها ذكريات طفولة ، كهيئة تحلّق الطلبة فيها في ساحة المسجد الخارجية ، بينما لا أعي منها – لصغر السن - علما ، إلا ما علق بالذهن من كلمات كان يرددها الشيخ بنغمة صوته الندي فأطرب لها وأرددها دون وعي بمدلولها ، وذلك حين نعود للمنزل لأكمل ما قطعه الذهاب للدرس من جولات الطفولة المرحة فيه . وكان الشيخ الذي كنت أعي كثيراً مما يقول ، هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، وهو الشيخ الذي واصلت حضور دروسه بعد ذلك بحمد الله في مدينة الرياض حتى آخر درسٍ قبيل وفاته .

و مهما قلت عن هذا الشيخ وعظيم أثره في النفوس ، فليس أدل على عمق أثره في نفسي من البوح بأنني كنت أذهب إليه في أوقات معينة – غير أوقات الدروس - في مسجده ، بغية سؤاله عن بعض ما يتجمع لدينا من أسئلة أنا وبعض الأصحاب ، حتى مرت بنا أيام كنا نذهب إليه فيها ونصلي بجانبه في روضة مسجده وليس لدينا سؤال محدد ، اللهم إلا الشوق العجيب لرؤيته ! والإفادة من سمته ، حتى شككنا في مشروعية صنيعنا ! وقد كتبت يوم وفاته مقالَ وفاءٍ قصير ، بعنوان " شمس العلماء وداعية الثقلين " نشر في حينه في بعض الصحف .ولا زلت أراجع ما دونته من تعليقاته وتقريراته على كتب الدرس ، وأسعد باحتضان مجموع فتاواه كثيرا ، وأستمع لبعض دروسه وأجوبته المسجلة بين حين وآخر ، وأنجذب لما يذاع من صوتياته في إذاعة القرآن الكريم حتى إنّه ليعسر علي إغلاقها قبل انتهاء البرنامج ، فلن تسمع إلا آية تُفسَّر أو حديثا يُبيَّن بعبارة في غاية الوضوح مع عمق الفهم .

ومن المشاريع التي بدأتها وأسأل الله تعالى أن ييسر تمامها : الفتاوى السياسية للإمام ابن باز رحمه الله .

وأنا أنصح كل محب أن يقرأ ويستمع إلى هذا الشيخ القدوة عليه رحمة الله !

وأُلخص منهجه العلمي التأصيلي - الذي أفدناه منه عن قناعة - في قصة قصيرة ذات دلالات عميقة ..

كنت أحضر بين حين وآخر جلسته العامة ضحى كل خميس ، وكانت هذه الجلسة تنتهي بأذان صلاة الظهر ، فيخرج الشيخ للمسجد وينصرف أكثر الناس ، ويخرج بعض محبي الشيخ معه للمسجد مشيا على الأقدام ، وذات مرة خرجنا مع الشيخ للمسجد ، وكان أحد كبار العلماء يمشي على يمين الشيخ فاقترب منه قائلا : وجدت مخطوطة في الفقه لأحد علماء الحنابلة ..

فسأله الشيخ : هل يعتني بالدليل ؟

ولما لم يسمع الشيخ جوابا شافيا ، بادره بالغاية من السؤال قائلاً : إن كان يعتني بالدليل وإلا مثله مثل غيره !

وأما الشيخ عبد الله بن قعود رحمه الله ، فما أدري من أين أبدأ في ذكر شيء من خبره ؟ ولعل المَخرج من ذلك أن أحيل إلى ما كتبته عنه بعيد وفاته بلحظات ، وهو المقال الذي أشرتم إليه ؛ غير أني أستطيع القول : إن دراستي وبعض الزملاء عليه كانت دراسة تخصص متميزة ، وهذا ظاهر في نوعية الكتب التي أتممنا قراءتها عليه ، وقد ذكرت أهمهما في المقال آنف الذكر .ومن أعظم الفوائد المنهجية التي أفدناها من هذا الشيخ الجليل ، أن ثمة فارقا كبيرا بين النظر المجرد في العلميات ، والتطبيق الصحيح لها على الواقعات .

وأُلخِّص هذه الفائدة الجليلة بذكر قصة حكاها لنا عن الإمام ابن باز ، وذلك في كلامه عن التفريق بين التنظير المجرد والتطبيق العملي الذي يحتف به ما يخرجه من الانضواء تحت التنظير ، وأن هذا سبب لكثير من الاستشكالات عند من لا يفطن لذلك من طلبة العلم ..

يقول فيها رحمه الله : كنت أقرأ ان الشيخ ابن باز من كلام ابن القيم في مدارج السالكين ، وطلب مني أن أقرأ بعض تعليقات الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله ، يقول الشيخ عبد الله ، فكان الشيخ ابن باز رحمه الله يقول - وهو يضحك - : رحم الله الشيخ الفقي لو تولّى القضاء ما قال هذا الكلام !

والصورة الثانية : الرحلة إلى أهل العلم والاتصال بهم ولا سيما مع تعدد وسائل الانتقال والاتصال ، والحرص على لقيا الكبار منهم ؛ وهذا أمر يغفل عنه كثير من طلبة العلم مع أهميته في الموازنة الشرعية بين التأصيل الشرعي والمنهجيات المتبعة في تطبيقه في الحياة المعاصرة .. كما أنَّ من فوائده وقوف طالب العلم بنفسه – من غير وسيط - على حقائق الآخرين الخيِّرة ، بعيدا عن التصورات الغاوية أو التصنيفات المُغرضة ، كما يُسهم في الخروج من النظرة الإقليمية وتأثيرها على التحصيل والتأصيل الشرعي ، تلك النظرة التي يظهر أثرها في الفتاوى على نحو يفقدها وصف الشرعية أحيانا . وهو الأمر الذي تجلت فائدته أكثر وأكثر في المجامع الفقهية والمؤتمرات الإسلامية ؛ كما يتجلى أثره النافع في مواقف العلماء الكبار ممن لهم مخالطة مشهودة لأهل العلم ورجال الدعوة من أهل الأمصار الأخرى ؛ ولا غرابة أن شهدنا بأعيننا تلازم سعة الأفق وسعة العلم في علماء من أمثال شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز وشيخنا عبد الله بن حسن بن قعود رحمهما الله تعالى .

وهذه السعة لا زلنا نشهد فوائدها من سير علمائنا الحاليين من أمثال شيخنا عبد العزيز آل الشيخ سماحة مفتي عام المملكة ، الذي شهدت كثيرا من لقاءاته بالعلماء الأجلاء والدعاة الفضلاء من داخل المملكة وخارجها ، ومن العرب والعجم ، وهو مما حملني على كتابة وصف لمنهجه – سلمه الله - في التعامل مع الآخرين من الموافقين والمخالفين ، أضفتها مقدمةً لمقالات كتبتها في قراءة لخطبة عرفة قبل عامين ، وذلك بعد أن أشار إلي بعض الأفاضل بكتابتها ، فرأيت نشرها نافعاً مفيداً للقراء ولا سيما أحبتنا الشباب وإخواننا طلبة العلم الذين ربما غلّبوا السمع على المشاهدة .. وقد نشرت في النسخة الثانية من المقال ، وذلك في ملحق الرسالة من جريدة المدينة التي كان يشرف عليها الإعلامي المعروف د.عبد العزيز قاسم أعاده الله إلى الإعلام وزاده عزة وثباتا على المبدأ .

وقد قابلت بحمد الله كثير من أهل العلم والفضل من علماء كثير من الأقطار الإسلامية وغيرها ، ومن أصول عربية وعجمية ، وأفدت منهم كثيرا ، بل جعلت بعضهم مرجعاً في المسائل التي أجد لهم فيها تميزاً بمزيد فقه ومعايشة واقع ، أتصل بهم أو يتصلون بي فأفيد منهم في تحقيق بعض المسائل و فهم بعض الوقائع ؛ فشعرت باقترابي من روح الشريعة أكثر من ذي قبل ، وأدركت من معاني قول الله تعالى ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) ما جعلني أقرَب إلى تدبر معاني قول الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) !

والحديث في هذا يطول ، ولكن وددت الإشارة إليه في هذه المناسبة ، وربما كان في جواب الأسئلة التالية - إن شاء الله تعالى - ما يضيف شيئا لهذا الجانب .


( المصدر : استضافة منتدى ساعة حوار )

لماذا المدونة ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ..
فثمة موضوعات يحسن ذكرها لمن يكثر سؤالهم عنها ، وحفظها لمن يكتبها لأن جوابها ما كان ليكون في الغالب لولا السؤال عنها ..
وثمة رؤى وأفكار وذكريات لا تخلو من فائدة ، يحسن بمن يدون شيئا منها أن يحتفظ به ، وأن ينشر ما يرى في نشره فائدة لمتابع ، أو راغب في اطلاع ، أو محب يود مزيدا من التفاصيل التي تشبع رغبة أخوية أو ميولا لقراءة المذكرات الشخصية ، لما قد تحويه من معلومات أو رسائل غير مباشرة ..
وما كنت أجد رغبة في نشر شيء من ذلك لولا بعض المواقف والقراءات التي رجّحت عدم إغفال هذا الجانب ، وسأذكر مزيد بيان لأهمية هذه القضية في طيات الصفحات التالية إن شاء الله تعالى .
من هنا وبعد تأكيد عدد من الإخوة الفضلاء والزملاء الكرام على أهمية إنشاء مدونة خاصة ، تم تحقيق ذلك من بإنشاء هذه المدونة ، راجيا أن تكون مذكرة ومفكرة أضع فيها ما أراه مناسبا ، والله تعالى أسأل التوفيق والسداد .
أما الموضوعات العلمية ، والمقالات الفكرية ، والأجوبة الشرعية ، فهي موجودة في صفحتي على صيد الفوائد ، على هذا الرابط :
http://www.saaid.net/Doat/otibi/index.htm
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
كتبه / أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي