الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

فائدة أندلسية : لماذا زيدون ؟ وخلدون ؟ وماذا صنع حفصون ؟


فائدة أندلسية :
" ما كنت أعرف ولا غيري من مدرسي الأدب في مصر يعرف كيف يغلب على الأسماء العربية في الأندلس والمغرب وجود مثل : زيدون ، وعبدون ، وعيشون ، وخلدون ، و وهبون ، وسعدون إلخوكان الظنّ أن هذه من صيغ جمع المذكر السالم ، ثم غلبت على أسماء الأفراد .ولكن اسمع ما حدثنا به المسيوكولان الأستاذ بمدرسة اللغات الشرقية في باريس :اللغة الإسبانية تضيف إلى أواخر الأسماء لفظ ( اون ) للتعظيم ، وقد نقل العرب ذلك عن الأسبان حين اتصلوا بهم في الأندلس ، فقالوا في زيد ( زيدون ) وفي وهب ( وهبون ) وفي عيش ( عيشون ) إلخ ..وقد جاء في كلام لسان الدين الخطيب عمن اسمه حفص ، ما معناه : لقد كان مكتفيا باسمه حفص ؛ فلما أيسر واستغنى تطاول واستكبر وسمى نفسه ( حفصون ) .
ومن أمثال أهل المغرب : (إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي كلبون )أليست حقا هذه فائدة مهمة جدا ؟وبهذه المناسبة أذكر أن الأستاذ أحمد زكي باشا كان يلقي محاضرة منذ نحو خمسة عشر عاما [قبل 1354هـ] عن عرب الأندلس ، فذكر من خصائصهم أنَّ منهم من كان يقول : ستين وعشرة في مكان السبعين ، وكأن الأستاذ يريد أن يقول : إن مرونتهم في التعبير وصلت بهم إلى مثل ما يعبر اللاتينيون .فلتعرف الآن أن عرب الأندلس لم يقولوا ستين وعشرة في مكان السبعين إلا تأثراً باللهجات اللاتينية ، أو تسهيلا للتفاهم مع الأسبان المستعربين ." .
قلت : ولا زال استعمال ( اون ) في أواخر الكلمات موجودا في لغة الإسبان إلى اليوم ! وربما أضافوا تاء التأنيث العربية ونطقوها هاء وقفا ووصلا .
ومن ظريف لغة القوم أن من استمع إلى نطق بعض أهالي الأقاليم الأندلسية ، وجدهم ينطقون الثاء محل السين أو الشين ، كقول بعضهم : برثلونة وقول آخرين برسلونة ، يعنون : برشلونة ؛ و سفليا مكان إشبيلية مثلا .
ومن الكلمات الدارجة عندهم الترحيب بكلمة ( أولا ) ، وربما كان أصلها : أهلا !
ولقد علمت من بعض أهل الشأن في اللغة الإسبانية أن بها اليوم ما يقارب الستة آلاف مفردة عربية ! فتلك بقايا لغتنا في دارٍ حكمتها الشريعة الإسلامية حقبا من الزمان ، وانطلقت منها جيوش نشر الحرية في عصور الظلام الغربي ..

ذكرني حارب بالطنطاوي وزكي و ( ألحان السماء ) و ( تاكسي ) ..

هذه مقالة جديدة في محتواها وإن كانت شبه حولية في عمرها ! بعث بها إلينا أخونا المفضال أبو عمر سلمه الله !
وحيث إنها قيمة ، تستحق مزيدا من الانتشار ، فقد رأيت أن أضيفها هنا ، مع تعليق بعثت أصله لصاحب الفضل الأول في بعثها لنا ..
---------------
أدباء أم بلهاء
ياسر سعيد حارب
ليس من عادتي أن أقرأ روايات لأدباء عرب لأسباب كنت أحتفظ بها لنفسي، ولكنني قررت اليوم أن أفصح عما في داخلي علّني أجد إجابة عند قرّاء هذا المقال، فقبل يومين كنت أتفحص ركن الروايات في مكتبتي المتواضعة فوجدت رواية "شيكاجو" التي اشتريتها قبل عدة أشهر لا لشيء إلا لأنني قرأت عنها الكثير من الإطراء والمديح، وعندما وجدتها أمامي في المكتبة التي عادة ما أرتادها مرة كل أسبوع اقتنيت نسخة منها علّني أجد فيها ما فاتني من الأدب العربي الذي توقف إنتاجه بتوقف مجلة الرسالة التي أسسها أحمد الزيات في ثلاثينيات القرن المنصرم، حيث حوت تلك المجلة بين دفتيها جواهر الأدب العربي الحديث وأجمل ما سكبته أقلام الأدباء العرب الذين كانت مصر أمهم وأم الدنيا آنذاك.بدأت أقلّب صفحات الرواية على عجل لأصل إلى شيء مفيد أو متميز، فما كتب على ظهر الغلاف الخارجي يشير إلى أن الرواية هي ظاهرة أدبية متجددة لم يقف عندها مؤلفها الذي ابتدأ حياته الأدبية برواية "عمارة يعقوبيان" التي أثارت زخماً إعلامياً كبيراً وبيعت منها مئات الآلاف من النسخ. كنت أجتهد كلما فتحت صفحة جديدة في أن أجد لفظاً أدبياً متميزاً أو تشبيهاً بليغاً أو استعارة مكنية أو أي شيء من أبجديات الأدب العربي الذي تعلمناه في المدارس إلا أنني لم أجد شيئاً من ذلك القبيل، فانصرفت إلى البحث عن الحبكة التي وعدني بها مروّج الرواية فلم أجدها أيضاً، وكان جل ما قرأته هو كلام سلس غير معقد - وهي إحدى مميزات الرواية - ومعنى أكثر سلاسة إلى درجة السطحية. فالكاتب يصف أموراً بسيطة بدقة متناهية كلون البنطال الذي يرتديه فلان ونوع قميصه وشكل شعره بطريقة تحرم القارئ من متعة الخيال التي هي أجمل شيء في القراءة، فوجدتني أغلق باب الخيال على مصراعيه وأريح ذهني من تصوّر الأماكن والأبطال وكأنني أشاهد أخبار الساعة العاشرة مساءً.وجدت الكاتب يعيد كرته التي بدأها في "عمارة يعقوبيان" - التي لم أكمل قراءتها أيضاً - حيث احتل الجنس والوصف الدقيق للممارسات الجنسية الساقطة والوصف البذيء لجسد المرأة ومفاتنها وللأعضاء التناسلية لها وللرجل تتصدر صفحات الرواية، فرميتها دون أن أبالي، ولولا أنها تحمل اسم الله لألقيتها في سلّة المهملات.إن أحد أسباب عدم قراءتي للروايات العربية هو ابتذال روائييها للحديث وسقوط أفكارهم حيث يمنون القارئ بالتشويق وبالحبكة المحكمة، وحين يقتنيها القارئ المسكين يكتشف أنها فيلم إباحي خالٍ من الصور (البلاغية) ولكن ما يثير حنقي على هؤلاء (الأدباء) وقرائهم هو طريقة تسويقهم لرواياتهم التي يدّعون أحياناً أنها تعكس واقعاً حقيقياً يعاني منه المجتمع، وأحيانا أخرى يقولون إنهم يتحدثون عن الميتافيزيقيا - وهي عالم ما وراء الطبيعة حيث ينسب إليه كل ما يعجز الإنسان عن تفسيره - ويأتون بكلمات يعجز حتى أرسطو عن استيعابها، ويدافعون عن رواياتهم بزعمهم أنها قضايا لابد أن تناقش وبأدق التفاصيل، وسؤالي لهؤلاء هو لماذا يتركون أدق التفاصيل التي كان من الأولى أن يركزوا عليها ويتفرغون للحديث عن أدق التفاصيل الجنسية التي يستحي الإنسان من ذكرها حتى بينه وبين نفسه؟لم يكتف هؤلاء (الأدباء) الذين بدأت كتبهم تعتلي قائمة أفضل الكتب مبيعاً بتشويه صورة الأدب العربي والشرقي لدى القارئ العالمي حتى صوروه وكأن كل الرجال العرب شهريار وكل العربيات شهرزاد، بل إن بعضهم تجاوز الخطوط الحمراء وأخذ يقذف الذات الإلهية ووصف الله تعالى بأوصاف لا تليق حتى بمخلوق وعللوا ذلك بقولهم إنهم يطرحون الرأي والرأي الآخر دون أن يكون لهم دخل في الحوار الذي هو من محض خيالهم! إن الأدب هو انعكاس لطبيعة المجتمع وأحواله وليس العكس، ومن يتنطع بمقولة "الجمهور عاوز كده" فإن الجمهور يريد أشياء كثيرة فلماذا لا يحققها كلها له إذن؟ فالجمهور يريد مسكناً ووظيفة وزوجة فلماذا لا يقدمها له إن كان هو وصياً على تحقيق رغبات الجمهور؟عندما نقرأ الأدب اللاتيني نجده يدور حول المعاناة والفقر والطموح وهذه بعض مواصفات المجتمع الذي نبع منه، والأدب الألماني يتحدث عن الهوية الوطنية والأيديولوجيا الاجتماعية وأزمة التعرف على الذات التي يعيشها المجتمع الألماني منذ أن هزم في الحرب العالمية الثانية حتى نشأ نوع جديد من الأدباء يسمونهم "أدباء ساعة الصفر" وهم الذين يسعون من خلال أدبياتهم لإيجاد أجوبة للأسباب التي جعلتهم يوماً ما أمة استعمارية تستبيح دم العالم وتمتهن القتل والنهب؟ فهل أصبح الأدب العربي أدب الرذيلة والإلحاد؟ أم إن الجمهور العربي أصبح ساقطاً ومنحلاً؟قد لا يجانب هؤلاء (الأدباء) الصواب في بعض صفحات رواياتهم، فهم يضعون أيديهم أحياناً على مواضع الجرح ولكنهم يحدثون في الجسد العربي جروحاً أخرى أكثر عمقاً من جروحه الأصلية وأكثر إيلاماً له ولروحه، وإن بعض الصواب في الخطأ لا يجعل الخطأ صواباً. أعجب ممن يعيشون حياتهم كلها في قصة حب وهمية، وممن يظنون بأن جميع الناس عشاق في هذه الدنيا، وعلى الرغم من أنني أؤمن بأن حديث الحب له وقعه الإيجابي في القلوب إلا أن الرذيلة التي نقرؤها في الروايات العربية اليوم لا تمت لهذا الحب بأية صلة، وقديماً قال أحد الأدباء إن الحب هو عمل فني من أعمال النفس، أما الفضيلة فهي النفس ذاتها، وإذا كان الحب أياماً جميلة عابرة في زماننا فإن الفضيلة هي الزمن كله... وهي كالياقوتة التي لا تأكلها النار.ويقول طه حسين في هذا السياق:"الأديب لا يحس لنفسه وإنما يحس للناس، وهو لا يشعر لنفسه وإنما يشعر للناس، وهو لا يفكر في نفسه وإنما يفكر للناس، وهو بعبارة واضحة لا يعيش لنفسه وإنما يعيش للناس" فهل يوقن (الأديب) العربي بأنه يفكر للناس وليس لنفسه فقط، وأن كلماته تبقى حبيسة فؤاده فإذا ما أطلقها أصبح هو حبيسها... وبأن التاريخ لن يسامحه يوماً لأنه ابتذل الأدب وسفّه بالعقول ولطّخ صفحات الأدب العربي لا لشيء إلا ليقولوا عنه إنه ظاهرة أدبية.*كاتب إماراتي

--------

قلت : حقا إنها لمقالة قيمة ! ما أروع الصراحة والوضوح ..
مقالة تعبر عن رأي شريحة كبيرة من القراء الذين لا يجدون فيما يكتبه أدعياء الأدب غير قلة الأدب ! أو كما وصفه ياسر : أدب الرذيلة والإلحاد !
من المشكل : أن رؤوسا من هؤلاء ليسوا سوى حيارى يتيهون في التعبير عن الملذات هروبا من مواجهة الحقائق !
رحم الله أيام الزيات ، وأرسلان ، وأحمد تيمور .. ومحمود شاكر ... إلخ ..
مهما اختلف القاريء مع الأديب الحقيقي فإنه يكن له تقديرا واحتراما ، وإن من قبيل الاحترام المتبادل .. فكم تشدني كتابات زكي مبارك الأدبية ، وكم أجد من توصيف للمشكلات وإحصائيات في كتابات ما يكل مور وإن كانت من النوع الساخر ! وكم يستهويني وضوح محمود السعدني وأسلوبه الساخر ، وإن في كتابه الذي قدمه له الشيخ متولي الشعراوي : ( ألحان السماء ) ! أو حتى حواديت المشاوير ( تاكسي ) لخالد الخميسي ..
ورحم الله أيام فقيه الأدباء وأديب الفقهاء ذي القلم المعبر ، والعبارة الصادقة ، والمكاشفة الحقيقية حتى للذات ، أعني العلامة علي الطنطاوي عليه رحمة الله ! أديب يُضحك ويبكي ، ويهذب ويؤدب ، ويحزن ويفرح !
أدب بمعنى الكلمة ، لا قلة أدب بمعنى الكلمة ..
أعجبتني مقارنة ياسر بين صنيع قليلي الأدب أو فاقديه في عالمنا العربي ، وصنيع أدباء الإفرنج ، ذلك الأدب الذي يحمل هم أمة تبكي مجدا ، لتعيده ، أو تسعى في صنع آخر من جديد !
يقول العلامة الطنطاوي : الأدب إنما هو لخدمة الدين والوطن والأخلاق ، فإن خلا من أي من هذه ، فهو هذرلا قيمة له !
لقد كان هذا جوابه الحاسم لمعركته مع أستاذه الشاعر شفيق جبري ، التي كانت بعنوان : هل يكون الأدب للأدب أم يكون للحياة ؟!
رحم الله أبا بنان ، فلقد ذهب ولم ير كثيرا من الهذر الذي يسمى : روايات وربما قدم لها بعض أصحاب الوزارات !
---------
قلت وفي الأسبوع الماضي توفيت يمان بنت علي الطنطاوي فرحمة الله عليهما ..

الجمعة، 10 أكتوبر 2008

أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي: من ذكريات الصبا وبدايات النشأة ..

أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي: لماذا المدونة ؟

حول استضافة الأستاذ عمرو خالد لي ؟

أسئلة د. فهد السنيدي حول استضافتي في برنامج الأستاذ عمرو خالد ..
س/ استضافة الأستاذ عمرو خالد لكم في برنامجه ما قصة الاستضافة ؟
ج/ ليس ثمة قصة بالمعنى الذي قد يُفهم من مدلول القصة ..
وما أذكره أن الأستاذ عمرو كان حريصا على موضوع التعايش ولا سيما بعد زيارته لشيخنا سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله في منزل سماحته بالرياض ، وهي زيارة شهدها جمع من الفضلاء من أساتذة وطلبة علم ، وخرج منها الأستاذ عمرو بانطباع أحسن بكثير من انطباعه السابق ، كما صرح لي ولعدد من الأساتذة بذلك ..
ولا غرابة أن يخرج بهذا الانطباع من مجلس سماحة الشيخ الذي شكر الأستاذ عمرو خالد على جهوده الدعوية ، وبيّن له بعض ملاحظاته على تلك الجهود بأسلوب أبوي رفيق ، سائلا الله تعالى أن ينفع بجهود الأستاذ عمرو ويرزقه الإخلاص في القول والعمل ، ويثبته على الحق .وقد فاتحني الأستاذ عمرو بفكرة موضوع الأئمة الأربعة بعد تلك الجلسة مع سماحة الشيخ ، وطلب مني مقترحات بشأنها ، وأبديت له ما يسر الله تعالى ، وبعض ما طلب مني تزويده به حول هذا الموضوع .
ثم طلب مني بعد ذلك المشاركة فيها ممثلا للمتتلمذين على نهج المدرسة الحنبلية ، واعتذرت منه شافعا اعتذاري باقتراح بعض الشخصيات الأنسب من وجهة نظري ، لكنه أصرّ على استضافتي فطلبت منه أن يمهلني مدة ، فلم يبث أن عاود الاتصال فوافقته وأبديت له حرصي على عدم وجود بعض المظاهر التي أخالفه فيها فوفّى بما وعد ، نفع الله به وبارك في جهوده ، وكفاه شر الأشرار .

س / ولماذا التركيز على الإمام احمد في الحديث ؟
ج / هل تعني أن الإمام أحمد حظي بحلقتي استضافة ، بخلاف بقية الأئمة ؟ فمن تابعوا البرنامج يعلمون أن الإمام أحمد رحمه الله جاء في الحلقات الأخيرة من البرنامج في تسلسل عادي ، بحكم كونه آخر الأئمة الأربعة من الناحية التاريخية ، فبعد الانتهاء من الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي جاء الحديث عن الإمام أحمد رحمهم الله جميعا .

س / هل صحيح ما قيل إن عمرو خالد قال لكم لقد غيرتم نظرتي عن الحنابلة أم هذا كلام لا صحة له ؟
ج/ كان للقاء الأستاذ عمرو بسماحة شيخنا مفتي عام المملكة أثرا حسنا ، وقد حدثني الأستاذ عمرو بذلك أكثر من مرة وأشار إليه في إحدى الحلقات ، وربما كان لتعامله المباشر مع بعض المتتلمذين على أصول المدرسة الحنبلية ، وعنايته الخاصة بالقراءة عن شخصية الإمام أحمد رحمه الله أثر ظاهر في تأثره بحياة الإمام أحمد الخاصة ، وهو ما لحظه بعض متابعي البرنامج ، والأستاذ عمرو كان يحضِّر للموضوع ووقوفه على مسائل عديدة من فقه التيسير المستند إلى يسر الشريعة نصوصها وقواعدها ، وقد أخبرني بإعجابه بشخصية الإمام أحمد أكثر من مرة ، وبسعة الفقه الحنبلي عكس ما هو شائع عنه هذا الفقه من سوء فهم ، وكنت أعرف ذلك من حرص الأخ عمرو على جمع المصادر والمراجع ، وسؤاله عن بعض المصادر ومدى مصداقيتها التاريخية وأهميتها في استخلاص الفوائد التربوية ونحو ذلك ، ورأيت أثر قراءته في بعض كتبه الخاصة من خلال تعليقاته وتعليمه بالقلم والفواصل على مواطن معينة منها .

س / كيف وجدتم أصداء اللقاء داخليا ( سعوديا ) فقط لان التقييم هنا هو الأصعب حول اللقاء ؟
ج / هذا سؤال مهنة يا أبا ياسر !
وأقول : أصداء ذلك مما بلغني – على الأقل - حسنة جدا ، بل كانت من النفع فوق ما كنت أتوقع بكثير ولله الحمد والمنة ، ولم يردني ما يفيد خلاف ذلك إلا رسالة هاتفية واحدة ، لم أتجاهل صاحبها بل أبديت له وجهة نظري .
نعم وردتني أسئلة استغراب واستفصال عبر البريد الرقمي ، لكنها ليست أسئلة انتقاد أو اعتراض ، بل هي على نحو ما جاء في سؤالكم .
وهذا من وجهة نظري يدل على توسع دائرة الوعي الإسلامي في مجتمعنا وغيره على نحو يبشر بالخير الكثير , وينبيء عن انتقال كثيرين من مرحلة لعن الظلام إلى مرحلة الترحيب بالغمام ..
أما خارج المملكة فأمر كنت أتوقع أثره الجيد ، بل كنت أستهدفه في الحقيقة ، وقد علمت أن بعض الفضلاء سجَّل الحلقتين على أقراص حاسوبية بغرض توزيعهما على بعض أبناء الجاليات الإسلامية في البلاد الغربية .

س / هل ستكررون التجربة في قنوات أخرى مع أمثال الأستاذ عمرو خالد ؟
شكر الله لكم
ج/ ربما يصح وصفها تجربة من جهة كونهما الأوليين بالنسبة لي مع الأستاذ عمرو خالد ، وقد سبق لي المشاركة في قنوات فضائية غير إسلامية ، مع رفضي للمشاركة في بعض القنوات التي لا تستهدف الخير من برامجها ذات الطابع الشرعي ، وقد صرحت بذلك لمن اتصل بي من مذيعيها ، وعلى كل حال فالقاعدة التي تلقيناها من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونهج العلماء المتبعين لهديه ولا سيما من المعاصرين ، هي الدعوة إلى الله تعالى بكل وسيلة مشروعة يستطيع الداعية فيها بيان الحق وتمييزه من الباطل ، فإذا إذا فسح لأحدنا مجال لنشر الدعوة الإسلامية الأصيلة على هذا النحو ، فلا ينبغي أن يتخلف مع القدرة ، ما لم تكن هناك اعتبارات أخرى تجعل من المصلحة التريث ، وتقدير هذه الاعتبارات داخل في دائرة الاجتهاد التي لا يسوغ التثريب فيها على الغير ، ولا سيما مع اختلاف العلماء والدعاة في نظرهم للأمور التي يؤثر فيها عوامل مختلفة ، منها ما لا يكون له صلة بالتأصيل الشرعي ومن ثم تحقيق المناط في المسائل .وهذا النهج رأيناه عمليا في تصرفات علمائنا الكبار من أمثال الإمام ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وغيرهما كثير ، من تلك النماذج التي تحسن تطبيق فقه التعايش الشرعي بين أهل السنة والجماعة .. ولو سرنا سيرتهما في واقعنا وتعاملنا الدعوي لكانت النتائج فوق ما نشهده من خير ولله الحمد .
وهذا المنهج أشرت إليه قبل عامين في قراءة لخطبة شيخنا سماحة المفتي في عرفة ، نشرت في حينه في الصحف وفي الشبكة العنكبوتية ، كما ذكرته قبل ذلك في ذكر بعض مآثر مشايخنا ، الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ عبد الله بن قعود رحمهم الله تعالى ، وقد نشرت في حينها في الصحف ، ونشر موضوع شيخنا ابن قعود في الشبكة العنكبوتية ومنها نقلته بعض الصحف .وشكر الله لك أبا ياسر فقد سعدت بحضورك وأسئلتك .

أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي: لماذا المدونة ؟

الخميس، 9 أكتوبر 2008

من ذكريات الصبا وبدايات النشأة ..

من ذكريات الصبا وبدايات النشأة ..
الاستفسار :
إن سمح لي الأستاذ فهد السنيدي مشكورا ، أن نبدأ بأسئلة أخف من الخفيفة فنحن نتمنى أن نتعرف على الشيخ قبل اللقاء أكثر فنود أن نعرف شيئا عن حياة الشيخ في الصبا ونشأته الأولى وحياته بعد ذلك، ودراسته النظامية ودراسته على العلماء لا سيما الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود –رحمه الله- الذي كتب عنه مقالا بعد وفاته وترقيه في مدارج العلم؟

الجواب :
أخي أبا أسامة ..
أولاً : وصف ( شيخ ) – ولا سيما في مثل هذا المقام - أكبر مني بكثير وأقول هذا حقيقة لا تواضعا ، فوالله إني لأحقر نفسي حين تُذكر هذه الكلمة في شأني ، ولا سيما بحضرة هذه النخبة من الإخوة الفضلاء والأخوات الفاضلات ..
ثانياً : هذا سؤال كبير ، والأصل أنَّ مثل هذا السؤال حقه أن يوجه لكبرائنا من ذوي العلم القائم والبذل الدائم .. وكم في ذلك للأجيال من نفع .. فأنا لا أشكك في أهميته ، ومن يقرأ كتاب : التوريث الدعوي ، للشيخ الدكتور محمد عقيل موسى سلمه الله ، يعرف قدر هذا النوع من الأجوبة ، وأهمية تدوينه من أهله .
وأعظم توريث علمي دعوي تربوي هو إرث محمد صلى الله عليه وسلم ، تلك الذكريات التي لم تُفصّل سيرة بشرٍ كما فُصِّلت ، فأُذكِّر بسيرة رسول الهدى ودين الحق الخاتم ، الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، التي أوجزتها أمنا عائشة رضي الله عنها في قولها : ( كان خلقه القرآن ) ، ولخصها الشاعر النصراني أبو محمد ! عبود مارون حين ختم مديحه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :
هادٍ يصوّر لي كأن قوامه متجسد من عنصر الإيمان
ومن أهم الأمور التي أود أن يتأملها الإخوة الفضلاء والأخوات الفضليات في جواب مثل هذه الأسئلة ، سواء كانت موجهة أو مقدّرة : ما كان من قبيل التجارب المفيدة ، والمواقف المؤثِّرة ، والإفادات العلمية ، والممارسات العملية بما لها وما عليها ، وما أكثر ما ينتفع القاريء بمثل هذا ، فهو لا يخلو من فوائد يعسر الوقوف عليها في غير هذه المواطن ، ولعل من أجود من كتب في الذكريات على هذا النحو المفيد من المعاصرين الشيخ علي الطنطاوي في ( ذكريات ) ، والشيخ أبي الحسن الندوي في ( مسيرة الحياة ) ، والشيخ يوسف القرضاوي في ( ابن القرية ) والأستاذ توفيق الشاوي في ( نصف قرن من العمل الإسلامي ) ..
ومن يقرأ ما جمعه الشيخ الفاضل محمد الحمد من مسيرة حياة الإمام ابن باز رحمه الله يدرك قيمة هذا الإرث العملي والتوريث الدعوي ..
ومن هذا القبيل ما نحرص على مشاهدته في قناة المجد من حلقات برنامج ( صفحات من حياتي ) الذي يتحفنا به الأستاذ فهد السنيدي سلمه الله ، وعسى أن تتحول هذه الصفحات من المجاز إلى الحقيقة فتكون مقروءة كما كانت مشاهدة مسموعة .
ثالثاً : لولا طرحك أخي للسؤال ووجود ما قد يفيد الآخرين في جوابه ، لاعتذرت عن الإجابة عليه مطلقا ، ولكن ربما كان فيما أذكره شيئ مما يرجى نفعه وثوابه برحمة الله .. وأن يتذاكر الزملاء شيئا من ذكرياتٍ لا تخلو من فائدة ، وأن يذكر الطالب بعض مشايخه وفاء لهم وبيانا لشيء من فضلهم عليه بعد الله تعالى ، ولتعريف الناس بهم ، ليفيدوا من علمهم ويدعوا لهم ، ويعرفوا أثرهم ، ويدركوا جهودهم في بناء صرح هذه الصحوة العابرة للقارات ؛ فيجتهد العامل وينهض الخامل ويندحر المبطِّيء – فهذا مدعاة للجواب مهما كانت الحال .
وعودا على بدء أقول : نعم للصبا ذكريات ..
وهي بالنسبة لي ذكريات طفل نشأ في كنف والدين محافظين ، لا يدعان وردهما من القرآن في حضر ولا سفر ما أمكنهما ذلك مع العناية بتدبره ، ولا يعرفان السلبية تجاه ما يريانه من خير وما دونه ، لهما في الناس ودّ وعن الشرّ بعد ..
وهي ذكريات متنوعة ..
منها : ما يلوح لي فيخفِق الفؤاد ،
ومنها : ما يحوم فتغرورق العينان ، وأخرى تنبسط لها الأسارير ولربما استضحكت صاحبها بابتسامات متتالية وليس ثمّ أحد !
ولكنها – صدقوني - ليست إلا بقايا ذكريات من زمان مضى ، كأنَّما هي مجلدات وضعت في ملفٍ مضغوط يختزل مرور الأيام وتمام الأعوام ومضي الزمان في عنوان من كلمة أو بضع كلمات ..
وأما ما بقي منها فأعظمه حفظ كتاب الله تعالى والفرح بمدارسته ، ذلك الكنز الذي لا أدري كيف سيكون حالنا لو لم ندر به ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ! ) فالحمد لله الذي أنعم علينا بتنزيله وأكرمنا بهدايته ، وأسأل الله تعالى أن يثبتنا على هديه ويعيننا على تعاهده و تدبّره .
والفضل في ذلك بعد الله عز وجل لشيخي الأول : أجزل الله ثوابه وأكرمه بواسع رحمته وفضله ، الذي أحرص على ذكر اسمه كلما كتبت اسمي - كما أدبني الشيخ الدكتور صالح الأطرم جزاه الله عني خيرا – فوالدي مطر رحمه الله هو من علمني كتاب الله تعالى ، وهو من ألحقني بحلقات تحفيظ القرآن الكريم الخيرية التي كان رائدها الشيخ عبد الرحمن آل فريان رحمه الله ، وهو الذي ألحقني بمدارس تحفيظ القرآن الكريم الحكومية ، التي كان هو أحد معلمي أجيالها في ثلة من المربين الكبار ، كالشيخ محمد بن سنان رحمه الله ، والشيخ محمد بن قاسم الجعفري ، والشيخ محمود بن عمر سكر والشيخ محمد بن إبراهيم آل طالب والد الشيخ صالح إمام الحرم وغيرهم من المربين الأخفياء ، وهذا الجيل تخرّج على أيديهم كثير من أبناء هذه الصحوة المباركة وقياداتها العلمية والدعوية في نجد وغيرها ، فمن تلاميذ الشيخ ابن سنان - مثلا - سماحة مفتي عام المملكة شيخنا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله ، وبمناسبة ذكر فضيلة الشيخ صالح آل طالب ، فهو أحد تلاميذ الوالد رحمه الله من جيل الشباب .
ولكل من ذكرت ذكريات خاصة واتصالات مستمرة بحمد الله تعالى ولا سيما الشيخ محمود بن عمر سكر والشيخ محمد بن إبراهيم آل طالب اللذين أحبهما مرتين : حب الطالب لشيخه الذي انتفع بعلمه وتربيته ، وحبّ ودهما لأبي رحمه الله مع ما جبلهما الله تعالى عليه من خلقٍ نادر .
وكان الوالد رحمه الله قد حفظ القرآن في الصغر على خاله ، وصلّى بالناس التراويح من حفظه قبل سن البلوغ ، ثم إنّه أخذ تحقيق تلاوته وتجويده فيما بعد عن الشيخ عبد الباري محمد رحمه الله ، وكان له بكتاب الله عز وجل عناية خاصة ، فهو يتلوه قائما وقاعدا وماشيا وراكبا ، وله في ذلك سيرة يعرفها من له به صلة ، وله عناية بالتفسير ، وقد أتم تفسيركتاب الله عز وجل في مسجده فيما أدركت مرتين على الأقل ، إذ كان يعلق فيه على مختصر تفسير ابن كثير وتفسير ابن سعدي رحمهم الله مع عنايته بآيات الأحكام كثيرا قراءة وشرحا ، ولم يكن يدون ذلك ، وإن كان له رسالة في التفسير الموضوعي لآيات الصلاة في القرآن يقوم على تهيئتها للنشر أخي يعقوب وفقه الله .

وأما طلب العلم بين يدي العلماء ، فهو الجزء الثاني من جواب سؤالكم هذا وسأقتصر فيه على ما أراه جديدا مفيدا في طرح مثل هذا الموضوع إن شاء الله تعالى .

الجزء الثاني من جواب سؤال أبي أسامة :

الحديث عن أهل الفضل والعلم الذين يُفيد منهم طالب العلم يطول ، فلكل معلمٍ مخلصٍ فضل على تلميذه ، ولا سيما من ينساهم الطالب حين يرتفع عن مستوى المراحل الابتدائية وما دونها والمتوسطة والثانوية ، بل والجامعية !!

ولا عجب فقد رأينا من ينسى فضل والديه نسأل الله العافية ، وإلا فكم لمعلمي ومعلمات تلك المراحل من فضل في تأسيس الطالب والطالبة وتوجيههما ، بل ربما كان بعضهم سببا في فيصل حياة مهم للمتتلمذ عليه وهو لا يشعر ! أو ربما لا يذكر !! وعزاؤهم أن الكريم سبحانه لا ينساهم ، ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) ، فهنيئاً لمن يُكتب أجره وأجور غيره في عزلة عن أسباب الرياء وبُعد عن مواطن الفتن .. وحسب الوفيّ أن يذكرهم فيشكرهم ، ويتذكرهم فيدعو لهم ، ولا سيما في مواطن الإجابة .وليس المجال هنا مجال ذكرٍ لهؤلاء بأعيانهم ، بقدر ما هو محاولة للاقتراب من بعضنا على نحو ما ورد في السؤال من غاية ، ولذا سأقتصر على ذكر بعض الأمور عن شيخ شيوخنا وعن شيخنا الذي ذُكِر اسمه صريحا في السؤال مع بعض الإشارات .

والدراسة في مجالس أهل العلم التي تُقصد عادة في مثل هذا السؤال ، لها جوانب مهمة قد تختفي مع أهميتها ما لم يوسع في التعبير فيقال : الإفادة من مجالسة أهل العلم ، وهي مجالسة لها صور أكتفي منها هنا بصورتين :الصورة الأولى : حضور الدروس المنتظمة للشيوخ الكبار أولاً ، مع الانتظام في حضورها ..

وقد بدأ حضوري لمجالس أهل العلم مع والدي رحمه الله ، إذ كان يحرص على مرافقتي له فيما يحضره من مجالس علمية كدروس الشيخ عبد الله بن حميد والد الشيخ صالح بن حميد حفظه الله ، تلك الدروس التي لم أدرك منها إلا شيئا يسيرا لا يتجاوز بضع جلسات أو تزيد قليلا ، بقي منها ذكريات طفولة ، كهيئة تحلّق الطلبة فيها في ساحة المسجد الخارجية ، بينما لا أعي منها – لصغر السن - علما ، إلا ما علق بالذهن من كلمات كان يرددها الشيخ بنغمة صوته الندي فأطرب لها وأرددها دون وعي بمدلولها ، وذلك حين نعود للمنزل لأكمل ما قطعه الذهاب للدرس من جولات الطفولة المرحة فيه . وكان الشيخ الذي كنت أعي كثيراً مما يقول ، هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، وهو الشيخ الذي واصلت حضور دروسه بعد ذلك بحمد الله في مدينة الرياض حتى آخر درسٍ قبيل وفاته .

و مهما قلت عن هذا الشيخ وعظيم أثره في النفوس ، فليس أدل على عمق أثره في نفسي من البوح بأنني كنت أذهب إليه في أوقات معينة – غير أوقات الدروس - في مسجده ، بغية سؤاله عن بعض ما يتجمع لدينا من أسئلة أنا وبعض الأصحاب ، حتى مرت بنا أيام كنا نذهب إليه فيها ونصلي بجانبه في روضة مسجده وليس لدينا سؤال محدد ، اللهم إلا الشوق العجيب لرؤيته ! والإفادة من سمته ، حتى شككنا في مشروعية صنيعنا ! وقد كتبت يوم وفاته مقالَ وفاءٍ قصير ، بعنوان " شمس العلماء وداعية الثقلين " نشر في حينه في بعض الصحف .ولا زلت أراجع ما دونته من تعليقاته وتقريراته على كتب الدرس ، وأسعد باحتضان مجموع فتاواه كثيرا ، وأستمع لبعض دروسه وأجوبته المسجلة بين حين وآخر ، وأنجذب لما يذاع من صوتياته في إذاعة القرآن الكريم حتى إنّه ليعسر علي إغلاقها قبل انتهاء البرنامج ، فلن تسمع إلا آية تُفسَّر أو حديثا يُبيَّن بعبارة في غاية الوضوح مع عمق الفهم .

ومن المشاريع التي بدأتها وأسأل الله تعالى أن ييسر تمامها : الفتاوى السياسية للإمام ابن باز رحمه الله .

وأنا أنصح كل محب أن يقرأ ويستمع إلى هذا الشيخ القدوة عليه رحمة الله !

وأُلخص منهجه العلمي التأصيلي - الذي أفدناه منه عن قناعة - في قصة قصيرة ذات دلالات عميقة ..

كنت أحضر بين حين وآخر جلسته العامة ضحى كل خميس ، وكانت هذه الجلسة تنتهي بأذان صلاة الظهر ، فيخرج الشيخ للمسجد وينصرف أكثر الناس ، ويخرج بعض محبي الشيخ معه للمسجد مشيا على الأقدام ، وذات مرة خرجنا مع الشيخ للمسجد ، وكان أحد كبار العلماء يمشي على يمين الشيخ فاقترب منه قائلا : وجدت مخطوطة في الفقه لأحد علماء الحنابلة ..

فسأله الشيخ : هل يعتني بالدليل ؟

ولما لم يسمع الشيخ جوابا شافيا ، بادره بالغاية من السؤال قائلاً : إن كان يعتني بالدليل وإلا مثله مثل غيره !

وأما الشيخ عبد الله بن قعود رحمه الله ، فما أدري من أين أبدأ في ذكر شيء من خبره ؟ ولعل المَخرج من ذلك أن أحيل إلى ما كتبته عنه بعيد وفاته بلحظات ، وهو المقال الذي أشرتم إليه ؛ غير أني أستطيع القول : إن دراستي وبعض الزملاء عليه كانت دراسة تخصص متميزة ، وهذا ظاهر في نوعية الكتب التي أتممنا قراءتها عليه ، وقد ذكرت أهمهما في المقال آنف الذكر .ومن أعظم الفوائد المنهجية التي أفدناها من هذا الشيخ الجليل ، أن ثمة فارقا كبيرا بين النظر المجرد في العلميات ، والتطبيق الصحيح لها على الواقعات .

وأُلخِّص هذه الفائدة الجليلة بذكر قصة حكاها لنا عن الإمام ابن باز ، وذلك في كلامه عن التفريق بين التنظير المجرد والتطبيق العملي الذي يحتف به ما يخرجه من الانضواء تحت التنظير ، وأن هذا سبب لكثير من الاستشكالات عند من لا يفطن لذلك من طلبة العلم ..

يقول فيها رحمه الله : كنت أقرأ ان الشيخ ابن باز من كلام ابن القيم في مدارج السالكين ، وطلب مني أن أقرأ بعض تعليقات الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله ، يقول الشيخ عبد الله ، فكان الشيخ ابن باز رحمه الله يقول - وهو يضحك - : رحم الله الشيخ الفقي لو تولّى القضاء ما قال هذا الكلام !

والصورة الثانية : الرحلة إلى أهل العلم والاتصال بهم ولا سيما مع تعدد وسائل الانتقال والاتصال ، والحرص على لقيا الكبار منهم ؛ وهذا أمر يغفل عنه كثير من طلبة العلم مع أهميته في الموازنة الشرعية بين التأصيل الشرعي والمنهجيات المتبعة في تطبيقه في الحياة المعاصرة .. كما أنَّ من فوائده وقوف طالب العلم بنفسه – من غير وسيط - على حقائق الآخرين الخيِّرة ، بعيدا عن التصورات الغاوية أو التصنيفات المُغرضة ، كما يُسهم في الخروج من النظرة الإقليمية وتأثيرها على التحصيل والتأصيل الشرعي ، تلك النظرة التي يظهر أثرها في الفتاوى على نحو يفقدها وصف الشرعية أحيانا . وهو الأمر الذي تجلت فائدته أكثر وأكثر في المجامع الفقهية والمؤتمرات الإسلامية ؛ كما يتجلى أثره النافع في مواقف العلماء الكبار ممن لهم مخالطة مشهودة لأهل العلم ورجال الدعوة من أهل الأمصار الأخرى ؛ ولا غرابة أن شهدنا بأعيننا تلازم سعة الأفق وسعة العلم في علماء من أمثال شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز وشيخنا عبد الله بن حسن بن قعود رحمهما الله تعالى .

وهذه السعة لا زلنا نشهد فوائدها من سير علمائنا الحاليين من أمثال شيخنا عبد العزيز آل الشيخ سماحة مفتي عام المملكة ، الذي شهدت كثيرا من لقاءاته بالعلماء الأجلاء والدعاة الفضلاء من داخل المملكة وخارجها ، ومن العرب والعجم ، وهو مما حملني على كتابة وصف لمنهجه – سلمه الله - في التعامل مع الآخرين من الموافقين والمخالفين ، أضفتها مقدمةً لمقالات كتبتها في قراءة لخطبة عرفة قبل عامين ، وذلك بعد أن أشار إلي بعض الأفاضل بكتابتها ، فرأيت نشرها نافعاً مفيداً للقراء ولا سيما أحبتنا الشباب وإخواننا طلبة العلم الذين ربما غلّبوا السمع على المشاهدة .. وقد نشرت في النسخة الثانية من المقال ، وذلك في ملحق الرسالة من جريدة المدينة التي كان يشرف عليها الإعلامي المعروف د.عبد العزيز قاسم أعاده الله إلى الإعلام وزاده عزة وثباتا على المبدأ .

وقد قابلت بحمد الله كثير من أهل العلم والفضل من علماء كثير من الأقطار الإسلامية وغيرها ، ومن أصول عربية وعجمية ، وأفدت منهم كثيرا ، بل جعلت بعضهم مرجعاً في المسائل التي أجد لهم فيها تميزاً بمزيد فقه ومعايشة واقع ، أتصل بهم أو يتصلون بي فأفيد منهم في تحقيق بعض المسائل و فهم بعض الوقائع ؛ فشعرت باقترابي من روح الشريعة أكثر من ذي قبل ، وأدركت من معاني قول الله تعالى ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) ما جعلني أقرَب إلى تدبر معاني قول الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) !

والحديث في هذا يطول ، ولكن وددت الإشارة إليه في هذه المناسبة ، وربما كان في جواب الأسئلة التالية - إن شاء الله تعالى - ما يضيف شيئا لهذا الجانب .


( المصدر : استضافة منتدى ساعة حوار )

لماذا المدونة ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ..
فثمة موضوعات يحسن ذكرها لمن يكثر سؤالهم عنها ، وحفظها لمن يكتبها لأن جوابها ما كان ليكون في الغالب لولا السؤال عنها ..
وثمة رؤى وأفكار وذكريات لا تخلو من فائدة ، يحسن بمن يدون شيئا منها أن يحتفظ به ، وأن ينشر ما يرى في نشره فائدة لمتابع ، أو راغب في اطلاع ، أو محب يود مزيدا من التفاصيل التي تشبع رغبة أخوية أو ميولا لقراءة المذكرات الشخصية ، لما قد تحويه من معلومات أو رسائل غير مباشرة ..
وما كنت أجد رغبة في نشر شيء من ذلك لولا بعض المواقف والقراءات التي رجّحت عدم إغفال هذا الجانب ، وسأذكر مزيد بيان لأهمية هذه القضية في طيات الصفحات التالية إن شاء الله تعالى .
من هنا وبعد تأكيد عدد من الإخوة الفضلاء والزملاء الكرام على أهمية إنشاء مدونة خاصة ، تم تحقيق ذلك من بإنشاء هذه المدونة ، راجيا أن تكون مذكرة ومفكرة أضع فيها ما أراه مناسبا ، والله تعالى أسأل التوفيق والسداد .
أما الموضوعات العلمية ، والمقالات الفكرية ، والأجوبة الشرعية ، فهي موجودة في صفحتي على صيد الفوائد ، على هذا الرابط :
http://www.saaid.net/Doat/otibi/index.htm
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
كتبه / أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي