الثلاثاء، 24 مارس 2009

خاطرة من أجواء كوالالمبور !

خاطرة من أجواء كوالالمبور

أو هي أشبه بموعظة في البناء والحضارة المادية - إن صح التعبير - التي يأمر بها ديننا ، بل قد يصل الأمر بها إلى درجة الوجوب ..وهو أمر ربما قلّ الحديث عنه في المواعظ !! وقبل أن ألج إلى الموضوع ، أعترف بأنني لا أحسن الوعظ السائد ، لكنني أجد في القرآن والسنة مواعظ تكفي ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ..وحتى لا أطيل في التقديم .. أدعكم مع هذا التأمل الذي خطر على بالي - فجعلت منه موعظة - بإطلالة من الدور السادس عشر حيث السكن في مدينة كوالالمبور .. وإن كان للدور السادس عشر في سكن آخر في قارة أخرى حكاية أخرى ، مع أني لا أستسيغ كثيرا مما يقال عن توافقات الأعداد ! إلا أنه سكن يختلف عن هذا ، حيث الوحدة في السكن ، وإزعاج السكارى في المواقف الخارجية حول المبنى !أعود إلى حيث أنا في كوالالمبور ؛ لأقول : لقد اخترت ثلاث مدن للتأمل ! (هيروشيما ، والقاهرة ، وكوالالمبور) ، مدينتان للمقارنة بينهما مع الفروق ( من حيث العراقة والمكانة وقوة النكبة وسرعة النهضة ) لكن الذي يجمعهما تقارب مدة تحرر كل منهما من الاستعمار الأجنبي مع الفارق بين واقع المشاريع العامة في كل منهما اليوم .. ومدينة تمثل نهضة تستحق القراءة المتأنية ! فقد بلغت آثارها الفائقة حدّ افتعال ( أزمة النمور الآسيوية ) من حسّادها !
وأول تلك المدن : هيروشيما ..
ضربت هيروشيما بالقنبلة النووية التي تهلك الحرث والنسل !


وحملها ذلك على الاستسلام .. أي أن فسادها كان حربيا ماديا ومعنويا ..
لكن هيروشيما خرجت من كبوتها عمـلاقة - كما ترى - في نهضتها العمرانية ، بعد أن رفضت الانقياد لثقافة الخصم ..

وجرى التغيير والتطوير في وسائل نهضتها التنموية العصرية ، وبلـغ بهـا الأمـر إلى التفنن في الهندسة الجمالية لما وهبهـا الله من جمال طبيعي في الجبل والسهل والحجر والشجر ..

وأما القاهـرة - وهي المدينة الثانية - فلم تضربها قنبلة نووية ، ولكنها تعرضت لضربة ثقافية عميقة ، بعد أن قبلت الانقياد لثقافة الخصم تحت ضغوط الانهزام بدعاوى الواقع !! .. ومن ثم يمكن القول بأنه قد ضربتها قنبلة علمانية من مخلفات الاستعمار ، تدثرت بلبوس القومية ، فأدت إلى صرف جهدها في حرب الإسلام - الذي لولاه ما كان للعروبة شأن - وبناء السجون لأهله بدل بناء البلد والإنسان ..

ولم يسلم من ذلك النشاط التجاري الإسلامي الذي يتم ضربه كلما رفـع رأسه ، بسبب نزاهته التي لم يعهدها الملأ في أنفسهم ومن ثم لم تصدقها عقولهم !! وما قصة الريان وما أثير حولها من حرب إعلامية بخافية على من تابع الخبر عبر إعلام حرّ غير مؤدلج ، وما محاكمة تجار القاهرة العام الماضي عن هذا ببيعد .. وبالمختصر يمكن القول : أي إن فسادها حكومي إداري ومعنوي ..

وأما كوالالمبور- وهي الثالثة - فمدينة آخّاذة استطاع رجالها المخلصون المعروفون بالنزاهة المالية والتفكير الوطني الجاد ، أن ينهضوا بها في أقل من أربعة وعشرين عاما فقط ! حتى لا تكاد تفرق بينها وبين حواضر العالم المنظّم ماديا ، فاستغلت خزينة الإعمار في الإعمار على خطى تخطيط دقيق !
وقد التقطت مقطعا من الشارع الذي أطل عليه ، وتعمدت أن يكون مقطعا ذا دلالة .. وإن كنت زرت هذه البلاد وسكنت هذه المدينة من قبل ، إلا أنني وجدتها في تطور مستمر ، ونهضة تكبر .. وإن كان تطورها أقلّ بطئا من وجهة نظر أهلها بعد أزمة استبعاد رجل من رجالها المخلصين ، وشريف من شرفائها الكبار ، ومحاولة إلصاق التهم الباطلة به ، ولكن يبقى الحق حقا ، والباطل باطلا ، فها هو يعود مرّة أخرى بأصوات الشعب الذي لم يصدق آلة الجور والظلم التي وجهت له في حال وضعه في زاوية اتهام قذرة ..كما فقدت النهضة رجلا قويا في مواجهة الخصوم ، ربما كان شافيزا للمسلمين في حينه !
ولكن ما يبعث الأمل في استمرار التنمية ، وحفظ ماء وجوه الماليزيين عن البحث عن لقمة العيش - لذاتها - عند الآخرين ، وجود رجال أوفياء ونساء وفيات في البرلمان الماليزي ، ووجود قدر جيد من الحرية التي تضع المشكلات على طاولة المناقشات ، ومن ثم وجود رقابة فعّالة على صرف المالي الوطني في وجوهه المشروعة ..ومما يلفت الانتباه في هذه المدينة : استغلال كل ما يمكن استغلاله من شجر أو حجر أو منشأة ، حتى بعض عبارات صرف مياه الأممطار في مواسم غزارتها ، تتحول إلى أنفاق لمرور السيارات في وقت قلة الأمطار أو المطر الاستوائي الاعتيادي ..بل إنهم يستغلون الأرصفة بين الطرق ، ليقيموا عليها أعمدة خرسانية تحمل مسارين للقطارات داخل المدينة !!

وقد أرفقت المقطع المشار إليه الذي صورته بنفسي ، ليقف عليه الإخوة في مجموعتنا البريدية .. ممن لم يقفوا على نهضة ذلك البلد ..

تمنيت لو أن مثل هذا المشروع الذي لا أشك أن تكلفته لن تكون - على كل حال - أكثر من تكلفة قطار تحت الأرض .. لو كان مثل هذا في الشوارع الرئيسية في الرياض أو جدة !تمنيت لو أن هذا المشروع قام على طريق خريص مثلا ! أو طريق الملك فهد - رحمه الله - أو على طريق البطحاء !! بل لو قام على الطريق الدائري كله - الذي لم يعد بينه وبين طريق البطحاء كبير فرق وقت انطلاق الناس لأعمالها في الصباح الباكر أو عودتها في بدايات المساء !

ربما تحولت الأمنية إلى حقيقة لنحفظ أوقاتا طالما ذهبت في الطرقات .. وأموالا ربما ذهبت في المهدئات ..

الخميس، 8 يناير 2009

ذكريات خاصة من وحي صمود غزة ، ورواية الرفيق غريغوري !


من القيادات الإسلامية الرائعة و القادة العسكريين الأفذاذ - في هذا العصر - القائد المجاهد والمربي المفضال والشيخ الجليل - أحد أعضاء المجمع الفقهي بمكة - والعسكري الفذ / اللواء العراقي : محمود شيت خطاب رحمه الله ..
عرفت شيئاً من خبره حين نصحني أستاذي في الصف الأول المتوسط ( الإعدادي ) بقراءة كتاب الشيخ اللواء الموجود في مكتبة المدرسة : " عدالة السماء " ! وهو كتاب يتحدث عن عاقبة الظلَمة في الدنيا من خلال قصص واقعية عايش الشيخ بعضها .. قرأت الكتاب بشغف ، وتتابع الزملاء على استعارة ما يعود إلى المكتبة المدرسية من نسخه.. وتم تبادله داخل الأسرة .. ومن حينه صرت أبحث عن كتب الشيخ اللواء وأقتنيها .. وكان من أجود ما قرأت له بعد ذلك كتابه الصغير حجما الكبير نفعا ، الجليل رسالةً : " العقيدة القتالية " ! الذي وصلني هديةً مع أحد أعداد مجلة " الجندي المسلم " التي تصدرها الشؤون الدينية بوزارة الدفاع في بلادنا الحبيبة ، وكانت تصلني هدية ضمن النسخ التي كانت تهدى لخالي منصور حفظه الله ، أحد العسكريين في كلية الملك فيصل الجوية آنذاك ، وهو أول من فتح لي نافذة على الثقافة العسكرية عبر مجلة " الصقور " التي كانت تعنى بالثقافة العسكرية الجوية ، ومجلة " الدفاع " التي كانت تزخر بتحليل الغزوات الإسلامية في المشرق والمغرب والأندلس ، والحروب المعاصرة الشرقية والغربية ، برية كانت أو بحرية أو جوية أو كل ذلك ، ومنها عرفت شيئا عن حرب الفوكلاند وعن المدمّرة الإنجليزية شيفلد التي دمرها الأرجنتينيون بصاروخ اكسوزيت – إن لم أهم - الصغير ، الذي كان سببا في حسم المعركة ؛ وأمّا هذا الكتيب " العقيدة القتالية " الذي ذكرته آنفا ، فهو أول كتاب عرفت منه شيئا من خبر حرب فيتنام ونكبة الأمريكان فيها !
ثم شاء الله تعالى أن تمرّ السنون وأن تمضي تلك المرحلة وما تلاها من المرحلة الثانوية والجامعية ، وأن يكون بحثي في مرحلة الماجستير : ( معاهدات التحالف العسكري في الفقه الإسلامي والقانون الدولي ) ، وكان من مراجع البحث التي كانت تسرق وقتي أثناءه ، كتاب للشيخ اللواء محمود شيت خطاب رحمه الله ، عنوانه : " التعاون العربي المشترك " ! فهو يحمل عنوان معاهدة عربية لم تر النور ! بل لم تعد تذكر في نشرات الأخبار إلا على سبيل التمثيل للفشل العربي المشترك !
وهو كتاب لا يخلو من أسرار !!
روى في مقدمته – كما شاهد - كيفية تربية القيادات العربية العسكرية في الكليات العسكرية الأجنبية ! وكيف كانوا يستغربون منه عدم دخوله في برامج الترفيه اللعينة !!
وتحدث فيه عن بعض أسرار وأخبار الحروب العربية الصهيونية التي كانت ترفع شعار القومية ، وكيف كان التنسيق العسكري الفاشل بين العرب سببا من أسباب هزيمتهم إضافة إلى بعدهم عن العقيدة القتالية الإسلامية !
وبيّن فيه ، كيف كانت الخطط العسكرية بينهم أبعد ما تكون عن مراعاة أبجديات الحرب البرية فضلا عن غيرها ، كوضع سلاح المدرعات في مواضع المدفعية والعكس !! فما كان محله الميادين المكشوفة يتمركز في الجبال ! وما كان محله الجبال يتمركز في الصحراء المكشوفة !
وما استدعى هذه الذكريات هو جملة رائعة لهذا الشيخ الجليل - اللواء / محمود شيت خطاب رحمه الله – قرأتها وتأملتها للتو ، يقول فيها : " إن الصمود كان ولا يزال وسيبقى أقوى سلاح في الحرب ، وقد أثبتت حوادث التاريخ العسكري ، أن خسائر الصامدين في الأرواح أقل من واحد بالمائة من خسائر الذين لا يصمدون " .
وقد لفت انتباهي أن ما قاله الشيخ اللواء محمود شيت خطاب ، يشهد له التاريخ الماضي والواقع المعاصر .. ولست هنا بصدد الحديث عن الماضي ، فهو محفور في كل ذاكرة عرفت سيرة نبيها صلى الله عليه وسلم ، وسيرة الصحب الكرام رضوان الله عليهم ، وتراجم من جاء بعدهم من القادة العظام .. ومن آخرهم فرد عجيب غريب ، من قرأ قصته كما دونها عدنان دوعر في كتابه الممتع الشيق الرائع الأخَّاذ : " المهندس يحيى عياش " ! وإني لأظن أن من قرأ هذا الكتاب من الإخوة والأخوات سيجدون أن تعبيري عنه لم يكن كلاما جزافا ... فليس هو من مفرزات الشك والشبهة ، وما كان رواية فجور ، ولا ذكريات فسوق ، ولا هلوسة زندقة ؛ بل عجائب فرْد مجاهد ، حيّر أجهزة العدو الصهيوني الاستخبارية الثلاثة : الشاباك والموساد وأمان .. تلك الأجهزة المرعبة للكثيرين ، والتي تخيف - إلى حدّ الاستسلام لها والتصديق لحربها النفسية - من لم يعرف معنى الصلة بالله ، والثقة به ، والتوكل عليه .
وهنا لن أتحدث عن بطل هذا الكتاب ولا عن بطولات أمة الإسلام .. كلا ، فالأمر واضح جلي كما أسلفت .. ولكني سأتحدث عن قصة معاصرة لمجموعة من غير المسلمين ، لكنهم أهل صمود لا خنوع ، لم يعرفوا قبض الدولار في سبيل هدم الدار ..
سأروي لكم قصة ، ربما يساهم ذكرها في بيان حقارة الدحلانيين من العربان ، والمنهزمين من بني علمان .. قصة يمكن أن نفيد منها كما أفاد الإمام أحمد من قصة أبي الهيثم ، ذلك اللص الذي وصاه بالصبر على الحق كما كان اللص يصبر على الباطل .. فقد ورد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمهما الله أنه قال : كنت كثيرا أسمع والدي يقول : رحم الله أبا الهيثم . غفر الله لأبي الهيثم . عفا الله عن أبي الهيثم . فقلت : يا أبتِ من أبو الهيثم ؟ فقال : لما أخرجت للسياط ومُدّت يداي ، إذا أنا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي : تعرفني ؟ قلت : لا . قال : أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار ! مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق ، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا ، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين .
وقد يقوّى قلب المؤمن من كان دونه في العلم ، وقد جرى ذلك للإمام أحمد رحمه أيضا ، قال الإمام أحمد - رحمه الله - : ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر ( محنة إرغامه على القول بخلق القرآن ) أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق . قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيداً ، وإن عِشت عِشتَ حميداً ، فقوّى قلبي .
والقصة التي سأرويها ، أرويها كما رواها أحد القوميين العرب الأحرار عن المحارب الروسي القديم غريغوري تشوخراي ، وهو يصف الأوامر التي أعطيت له ولزملائه ، لإيقاف زحف الدبابات الألمانية في ضواحي ستالينغراد بأي ثمن ! :
لم يكن هناك تكافؤ بيننا وبين العدو من حيث العتاد !
كنا فوج مشاة ، ويجب أن نوقف زحف الدبابات الألمانية أطول فترة ممكنة ، لقد وقع الاختيار على فَوْجِنا لتنفيذ هذه المهمّة الصعبة وعرقلة وصول العدو المدينة ...
جمعنا قائد الفوج وأعطانا التعليمات التالية :
سينبطح كل واحد منكم في خندق صغير يحفره بنفسه .
ستطلق عليكم الدبابات نيران مدافعها .. فهذا لا يهم ! المهم أن تحافظوا على رباطة جأشكم ؛ لأن المدافع مع اقتراب الدبابة لن تكون مجدية . عندها سيستخدمون الرشاشات ، وهذا أيضا لا يهم ! المهم المحافظة على هدوء الأعصاب .
ستصبح الدبابة على بعد عدة أمتار منكم ! ولكن إياكم أن تلقوها عليها زجاجة المولوتوف فلن تفيد شيئا .
ستمر الدبابة فوقكم ! وهذا أيضا لا يهم ! المهم هنا المحافظة على أقصى درجات هدوء الأعصاب ، وأن لا تقعوا تحت الجنازير بل بينها . وعندما تمر الدبابة فوقكم وتجتازكم ندها فقط ألقوا عليها زجاجة المولوتوف من الخلف وستحترق ، ولكن يجب أن تأخذوا بعين الاعتبار أنّ وراء الدبابة مشاة مسلحين ! وهذا أيضا لا يهم ! لأن المهمة الأساسية - وهي تفجير الدبابة - قد نفذت ! ...
ففرقة مشاتنا أوقفت زحف دبابات النمر الشهيرة آنذاك ودمرت منها بهذه الطريقة أربعين دبابة في اليوم الأول (بالطبع لم تكن كدبابات الميركافا التي ضوعف تدريعها سبع مرات !! عن تدريع الدبابات الحديثة الأخرى ، لكن أبطال غزة حطموها) ، وأكثر من ثلاثين في اليوم الثاني ، ولا أدري كم في اليوم الثالث .
أمَّا في اليوم الرابع فقد حصلنا جميعنا - نحن الذين بقينا أحياء - على أوسمة .
أمَّا رفاقنا الذين ماتوا تحت جنازير الدبابات أو على أيدي المشاة خلفها ، فوسامهم الكبير أننا نذكرهم الآن أمامكم أيها الأصدقاء ..
استذكرت كل ذلك ، بعد قراءتي لمقولة الشيخ اللواء رحمه الله ..
قلت : ومن هنا جاء الحث الشرعي على الثبات والصبر والمصابرة ! وسيلة من وسائل التربية الإيمانية ، وبناء العقيدة القتالية : ( اصبروا وصابروا ورابطوا ) فالقتال في ذاته ليس محبوبا .. ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) ومعاناة الحرب المتكافئة فضلا عن غير المتكافئة ليست يسيرة ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) .. ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) ..
وبتعبير آخر : هناك من يَثْبت ويصبر ويصابر تعبدا فينال إحدى الحسنيين ، وهناك من يثبت حمية ويصبر عصبية فينال موتا أو نصرا ..
الصمود ! الصمود ! الصبر ! المصابرة ! .. سرّ من أسرار الانتصار في السنن الكونية ، فإذا ما صاحبه إيمان بالله القوي العزيز ، فلا تسأل عن الروح أين تحلق ! ولا النفس إلام تتطلع ! ولا النتيجة كيف تكون مدهشة !
قال المراسل الإخباري في إحدى القنوات الإخبارية : إن الأطباء يعانون من استعجال الجرحى في العودة إلى الميدان ! " ضمدني بسرعة أريد أن أعود ! " !
إنها صورة واضحة للمجاهد الحقيقي ، الذي عرف الجهاد على حقيقته ونقائه ، تلك الصورة التي كادت تختفي بسبب تلك الأعمال التي يُزعم أنها من الجهاد ، وليست منه في شيء ، بل صارت سببا في الصد عن سبيل الله ، وتشويه نقاء الدين وأحكامه العظيمة ، فضلا عن ما خلّفته من فساد في الأرض وإفساد .
لقد صار حب الاستشهاد في صفوف المجاهدين في فلسطين إحدى المشاكل التي تواجه القيادات العسكرية هناك ! ولم لا ، والشهيد يجد الموت كالقرصة ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة ) ، ويتمنى أن يعاد إلى الدنيا ليقتل في سبيل الله مرة أخرى ! ففي الصحيحين : ( ما أحد يدخل الجنة ، يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة ) .
ولو رسّخت هذه المعاني الإيمانية الرائعة في جيوشنا الإسلامية ، لجعلت منهم رجالا يقدِّمون حبا في الشهادة ، كما يتأخر عدوهم حبا في الحياة .. ولكانت حامية للدين حقا ، وذائدة عن الأوطان صدقا .. فشتان بين صمود غزّة وسقوط بغداد !
توقف يا قلم .. فمهما حاولت التوقف فلن تصمد في تحليل هذا السرّ الذي تتداعى له في الفؤاد نصوص الوحي ، مصحوبة بوعد لا يخلف : ( بل أحياء عند ربه يرزقون .. فرحين ... ) .. فهم لا ينتظرون أوسمة دنيوية ، ولا تستهويهم تماثيل جندي مجهول !
وأما ما عاشه الصابرون المصابرون المرابطون في غزة من جراحهم ، وخلفوه من مصائبهم ، فهم إضافة إلى حقيقة : ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) - يؤمنون بـ : عدالة السماء ! كما عبّر الشيخ اللواء رحمة الله عليه ! فمصير الصهاينة أسود دنيا وأخرى : ( فبشرهم بعذاب أليم ) .. ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) .. ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة ... ) .
اللهم أفرغ على إخواننا في غزة صبرا وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين .. اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين ونجهم برحمتك من القوم الكافرين ..

الأحد، 21 ديسمبر 2008

حركة في صورة من لطيف تليد الفوائد :

من إرشيف ( لطائف الفوائد ) الخاصة :



هذه الحركة أو قريبا منها على الأقل تني التأييد والاستحسان لقول أو فعل أو لتصرف ما .. وقد اشتهرت عن الأجانب ، حتى ارتبطت بما يصاحبها من قولهم (فري قود very good) .. لكن رجال الجرح والتعديل ( علم البحث في رجال الأسانيد والمرويات ، وهو من خصائص أمتنا ) ، وصفوها أومثلها عن الإمام أحمد رحمه الله ، في تقييمه لرواية المحدث المشهور محمد بن إسحاق ، والتفريق بين روايته للمغازي وروايته لأحاديث الأحكام من الحلال والحرام عنده ..
والفرق بين رواية أخبار المغازي وأحاديث الأحكام معلوم عند علماء الإسلام ؛ فإنَّ للتخصص أثرا في الرواية عندهم في ذلك ، فيقبل من رواة السير والمغازي المهتمين بها فيها ، ما لا يقبل منهم في أحاديث الأحكام ، فالواقدي مثلا متروك في الحديث بينما هو إمام في المغازي ، وهكذ الشأن في القراء الذين يتلقون التلاوة ، وينقلونها كما تلقوها ، فقد لا تقبل رواية بعضهم للحديث لعدم علمه بالأسانيد وعلل المرويات ، وموضوعات الجرح والتعديل وإن كان ثقة ثبتا فيما ينقله مما تلقاه عن شيخه في القراءة ، التي تعتمد التواتر في التلقي دون الاكتفاء بالرواية بالإسناد ..
أدعكم مع وصف تلك الحركة في تاريخ يحي بن معين رحمه الله نق عن الإمام أحمد ، فقد جاء في تاريخ ابن معين : سمعت العباس يقول سمعت أحمد بن حنبل وسئل وهو على باب أبى النضر هاشم بن القاسم فقيل له يا أبا عبد الله ما تقول في موسى بن عبيدة الربذي وفى محمد بن إسحاق فقال أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث كأنه يعنى المغازي ونحوها وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد ولم يضم الإبهام وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو العباس .أه
ـوقال في موضع آخر : سمعت عباسا يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول وهو على باب أبى النضر وسأله رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في محمد بن إسحاق وموسى بن عبيدة الربذي فقال أما موسى بن عبيدة فكان رجلا صالحا حدث بأحاديث مناكير وأما محمد بن إسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث يعنى المغازي ونحوها فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا قال أحمد بن حنبل بيده وصم يديه وأقام أصابعه الإبهامين أ هـ .
فهل يا ترى تعد هذه الحركة من الحركات الوافدة ، أو المشتركة ، أو المنقولة عنا ثم المجلوبة إلينا كبعض الأنظمة والقوانين والطروحات الإسلامية ؟!ربما لو علم بعض المنهزمين - التابعين المقلدين للأجانب - بأصولها الإسلامية لهجرها إمعانا في البراءة من الأمة والتبعية للأجنبي !!

الخميس، 18 ديسمبر 2008

رسالة علمية أصيلة في نقض الانحراف والشغب الفكري بجمبع أطيافه ..

كم في جامعاتنا من كنوز علمية ذات نظر فكري شرعي مؤصَّل ، يكشف زيف كثير من الطروحات الزائفة التي تتعالى بها أصوات أدعياء الفكر الإسلامي فضلا عن غيرهم من الزنادقة والملحدين .. ولقد مررت على هذا الرسالة وأنا أعد مقالا لمجلة ( التجديد الثقافي ) حول أهمية الفكر لطالب العلم الشرعي ، خلافا لما شاع عن بعضهم من التقليل من شأنه ..
وإليكم شيئا من مقدمة الرسالة القيمة ..

----------------------------
جامعة القدس الدراسات العليا ـ قسم الدراسات الإسلامية

التأويل بين ضوابط الأصوليين وقراءات المعاصرين - دراسة أصولية فكرية معاصرةرسالة ماجستير
مقدمة من الطالب
ابراهيم محمد طه بويداين

أعضاء لجنة المناقشة
1. الدكتور حسام الدين عفانة رئيساً ومشرفاً
2. الدكتور حسين الترتوري منافشاً خارجياً
3. الدكتور محمد عساف مناقشاً داخلياًقدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة

ملخص البحث :
تكمن أهمية البحث في انه يعالج أهم قضية في تاريخ الفكر الإسلامي قديما وحديثا، ألا وهي العلاقة بين العقل والنقل، ودور العقل في فهم النص الشرعي، وهي القضية التي لا تزال مطروحة للسجال والمناقشة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا.ويمثل التأويل أخطر وأهم السبل في التعاطي مع النص الشرعي، إذ ضل بسبب الإفراط فيه خلق كثير وفرق يصعب حصرها. بدءً من الخوارج والمعتزلة والشيعة والمرجئة والباطنية وصولا إلى مدارس الحداثة والمعاصرة في العصر الحاضر.والتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معنى مرجوح لوجود دليل مقتض لذلك، فهو خلاف الأصل، إذ الأصل الأخذ بظاهر اللفظ " النص" حسبما يدل عليه لسان العرب.ويكون إما تخصيصا للعام أو تقييدا للمطلق، أو صرفا للفظ من الحقيقة إلى المجاز وللأمر من الوجوب إلى الندب أو الإرشاد، وللنهي من الحرمة إلى الكراهة... الخ.وكل نوع منها قد يكون قريبا أو بعيدا بحسب قوة دليل التأويل وضعفه. وبينت فيه أن التأويل – بإجماع أهل العلم لا بد له من شروط حتى يكون سائغا مقبولا أهمها: أن يكون اللفظ – النص – المراد تأويله قابلا للتأويل أصلا، بان يكون محتملا لعدة معان، فإن كان اللفظ غير محتمل للتأويل، بأن كان له معنى واحد محتم، لم يجز حمله على غيره، فإن حمل كان تأويلا باطلا مردودا.ومن شرطه أن يكون المعنى المرجوح الذي يراد حمل اللفظ – النص – عليه مقبولا شرعا، بان لا يعارض نصا آخر مثله في القوة، أو يزيد عليه، ثبوتا أو دلالة.فإن كان هذا المعنى يعارض نصا، أو حكما شرعيا مثله، أو أقوى منه كان أيضا تأويلا باطلا مردودا. فما الظن إذا كان يعارض نصوصا قطعية لا تحصر، أو أحكاما شرعية ثابتة مبرمة مجمعا عليها؟.وهذا الشرط يستتبع شرطا آخر، وهو أن يقترن التأويل بدليل يقوي ويعضد هذا المعنى المرجوح على دلالة الظاهر، فإن عدم الدليل أو كان مساويا لدلالة ذلك الظاهر، أو لم يكن حجة كان تأويلا باطلا مردودا أيضا.وهذا الدليل إما أن يكون نصا من القرآن، أو السنة، أو إجماعاً، أو قياساً، علتْه منصوصة، أو قاعدة شرعية ثبتت بأدلة شرعية، أو بحكمة تشريع ظاهرة منضبطة.فإن كان تأويلا بغير دليل شرعي معتبر – شبهات وأوهام وأحاديث ضعيفة أو مقاصد وكليات متخيلة مدعاة كما هو حال معظم التأويلات المعاصرة - كان تأويلا فاسدا مردودا.ثم لا بد للمؤول أن يكون مجتهدا امتلك ناصية الاجتهاد والترجيح لأن هذا هو حقيقة التأويل، فإن عالجه من لم يحصل آلة الاجتهاد اللازمة كان باطلا أيضا، لأنه صادر من غير ذي صفة.كما وبينت أن كل الموضوعات التي ركز المعاصرون جهود التأويل، والتي عالجتها قراءة وتحليلا وردا وتفنيدا، داخلة في نطاق ما لا يجوز الاختلاف فيه أو تأويله بحال من الأحوال. أي في دائرة القطعيات المحكمات، بل المعلومة من الدين بالضرورة. ككفر اليهود والنصارى، وحجية السنة في شؤون الحياة وأمور المعاملات، وحجية الإجماع، وحرمة الردة، وبطلان مفهوم المواطنة كما هو في الوعي المعاصر، وبطلان شرعية أي نظام سياسي لا يحكم الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة، وحرمة الربا بكل أصنافه، ربا الفضل، وربا الديون...الخ.كما وبينت أن الأدلة المستخدمة من قبل المؤولين لا تعدو أن تكون شبهات وأوهاما وخيالات، وأن المؤولين في غالبهم ليسوا من اهل العلم العلم الشرعي، والنظر الفقهي، فلا يجوز لهم الاجتهاد أو التأويل، وبينت أن المعاني التي استنبطوها باطلة لمناقضتها للقطعيات المحكمات.وبينت أن الحامل على التأويل لدى أولئك المؤولين هو رغبتهم الجامحة في التوفيق بين مفاهيم الإسلام، وأحكامه، وعقائده الثابتة بوحي الله، وبين ما استحدثه الفكر الغربي من مبادئ وقيم، ومفاهيم بعد الثورة الصناعية التي قامت عليها الحضارة الغربية.وبينت أن ذلك يعبر عن الانهزام النفسي والفكري الذي يربأ عنه من يعتز بعقيدته ويفاخر بشريعة ربه.وبينت أن الحامل لهم على التأويل لم يكن تحقق التعارض الأصولي الذي يستدعي الترجيح أو التأويل تخصيصا، أو تقييدا، وهو المسوغ الشرعي الوحيد للتأويل. بل كان ما ذكرت تأثراً بالثقافة الغربية وسعيا إلى تأصيل مفاهيمها أو ما يدعونه بـ" أسلمة المعرفة ".وبينت أخيرا أن تأويل قواطع الإسلام، ومحكمات نصوصه التي أجمعت عليها الأمة هو إبطال للشرع ونسخ له، وأن ذلك لا يجوز بحال، بل هو كفر بواح.
والله الهادي والموفق للسداد والصواب
-------------------
(1) البغدادي أحمد بن علي بن ثابت : شرف أصحاب الحديث، ص51، تحقيق عمر عبد المنعم سليم، وقال المحقق اسناده رجاله ثقات.
(2) انظر: القاضي الرامهرمزي حسن بن عبد الرحمن: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ص415.
(3) الجويني عبد الملك بن عبد الله بن يوسف : البرهان في علم أصول الفقه (1/346).
(4) ابن تيمية تقي الدين ابو العباس احمد بن عبد الحليم :مجموع الفتاوى الكبرى 13/243.
(5) الشيخ مصطفى صبري: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين 1/46، وهو آخر شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية ووقف مجاهدا دون هدمها. وانشغل دهرا من عمره في الرد على الانحرافات الدينية التي ظهرت في القرن السابق - بموجب الإطلاع على كتابه المذكور.

الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

بمناسبة ضرب دبليو لوش بدبليو شوز ( حديث بستان ليس إلا )

بالأمس وردتني رسالة هاتفية من أحد الدكاترة الظرفاء ، حملت عنوانا مفزعا : عاجل ! فهرعت لقراءة الخبر الذي لا يمكن أن يرسله - وهو الجاد أحيانا - إلا لأمر داهم !
لقد كانت رسالته تحمل خبرا عن بيان صادر من منتظر الزيدي ( قاذف دبليو بوش بـدبليو شوز) ، جاء فيه - بحسب الخبر - أن سبب عدم إصابة رأس الشرّ الأمريكي هو استعمال الجزمة ! بينما كان المناسب هو ( النعل الزبيرية ) التي عرفت بقوة تصويبها لأنواع الأوزاغ على أعتق الجدران الطينية ! ولأي كائن ينتمي لفصيلة الفويسقات !

ولم أجد بدا من الرد على هذا الأخ ، فبعثت له رسالة هاتفية تفيد بأن استعمال السلاح المشار إليه ، قد يُفقد دبليو بوش - أو دبليو شوز ( كما عبّر بعض العراقيين ) - القدرة على التعرف على رقم النعل ؛ لأنها صناعة يدوية تكون خالية من أي رقم في الغالب !!

وأما من حيث ترجيح استمعال الزبيرية في ضرب المجرمين ، فإنها نعال ، والضرب بالنعال للمجرم له أصل في الشريعة ، عند أهل العلم كما سيأتي .. ثم إن مجال التشفي والانتقام والدفاع عن النفس إلخ .. يختلف عن مجال الحرب المتكافئة وأخلاق الفارس المسلم فيها ..

هذه حادثة قصدت منها التوطئة لتذكير بعض الإخوة والأخوات في المجموعة بأن خصمنا هو ( دبليو شوز ) ومن يدافع عنه ممن يصفقون له ، وليس بعض زملائنا في المجموعة ممن يعلنون بغضه وعداوته كزميلنا في المجموعة الأديب الأريب أبي عبد الله ... من يعرف أبا عبد الله عن قرب ، كما أعرفه ، لا يكاد يشك ، أنه بريء من المحتل براءة الذئب من دم يوسف عليه اصلاة والسلام ، وبريء من بوش وزمرته برءاة المتأمرك من أمته .. ومن يعرف هدوء أبي عبد الله لا يشك أن ما جرى منه نوع من التهدئة المبنية على نظر ما ! ليس إلا .. ومن يعرف لطفه ومشاعره المرهفة لا يشك أنه لا يستحق شيئا من القسوة المرفوضة التي تفجّرت بها العزّة المحمودة من بعض أحبتنا ..

والحق على أبي أسامة الذي لم يجمعنا - شركاء المجموعة التي يديرها - يوما على مائدة واحدة حتى يعرف بعضنا بعضا عن قرب !!

أكاد أجزم أنه لم يغب عن أبي عبد الله - وهو صاحب العناية بكتب السنة - ما جاء من أبواب في كتب أهل العلم ، من مثل : باب : ما جاء في الضرب بالجريد والنعال ! وهي أبواب عقدت في ضرب بعض المجَرَّمين من أهل الإسلام ! ومن ذلك ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ .

لكن ربما غاب عن أبي عبد الله .. رأي الشافعي في المتأمركين ، عفوا في المتكلمين ، وهي العبارة المشهورة في كتب العقائد ، التي يقول فيها : " حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في الأسواق ، ويقال: هذا جزاء من خالف الكتاب والسنة " .. فكيف بضرب منتظر ممثل الأمريكيين المحافظين الجدد لشخص أمامه ، محارب بالنسبة له ولقومه ، ولم يعاهده هو ولا ولي أمر له ، تصح ولايته !

ولقد سررت والله بعبارات بعض الإخوة والأخوات التي ظهر فيها التشفي من الزنيم الأمريكي دبيلو شوز .. ولا حرج أن يتشفى مؤمن من كافر ظالم ( ويشف صدور قوم مؤمنين ) ..
وعقبال شوز آخر لزنيم آخر .. ونعال أخرى لمتعالٍ آخر ..

الجمعة، 14 نوفمبر 2008

قصة مداخلتي في ندوة الأسرة والتحديات المعاصرة !

قصة مداخلتي في ندوة الأسرة والتحديات المعاصرة !
البارحة كنت في محفل عام : ( أعمال الندوة العلمية التي تنظمها مجلة البيان تحت عنوان : ( الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة ) ، برعاية وزير الشؤون الإسلامية في المملكة معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ، وكان الموضوع : (مواجهة تأثير الإعلام العربي على الأسرة والمجتمع - تصور عملي مقترح ) ، و صاحب الورقة في هذا الموضوع هو الأستاذ الدكتور محمد بن سعود البشر ، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ..
كانت ورقته ورقة ثرية ، وكان إلقاؤه لها إلقاء واضحا صريحا جريئا ..

ولما جاء وقت المداخلات عل هذه الورقة ، كانت لي مداخلة تضمنت الحديث عن جملة قضايا ، بدأتها من وحي الورقة بقول الشاعر :
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبينه وغيرك يهدم

ثم أخذت في ذكر بعض النقاط ، منها :
- مساهمة الإعلام في إيجاد مشكلات أسرية لم تكن ، ثم مهاجمته للمجتمع من خلالها ، وتضخيمه للكثير من القضايا ..

- أن مشاركة بعض الشرعيين والدعاة في الإعلام لم تخل من مشكلات ، منها : التعليم المنفك عن التربية الإيمانية التي تربط الحكم بالتعبد ، حتى لا يكون تدريس الفقه مثلا كتدريس القانون خاويا من الروحانية ، وضربت مثلا بفتوى الإمام أحمد رحمه الله حين استفتي في حكم ترك صلاة الوتر .. وكيف كان جوابه روحانيا تربويا إذ قال : لا يتركه إلا رجل سوء .
- وتحدثت عن الإقصاء الإعلامي في بلادنا ، وكيف أن هناك إقصاء للمقالات الوطنية بله الإسلامية ، وضربت مثلا لذلك بمقالات كتبتها فلم تنشر مع أنها كانت تدافع عن منهجنا الإسلامي المعلن ، وأن كثيراً من الكتاب والكاتبات الذكور والإناث لا ينشر لهم ..
ثم ضربت مثلا بمنع مقال للمدكتور محمد البشر نفسه ، وذكرت أن المقال كان منذ عشرة أيام ولم ينشر !
وهذه المعلومة كانت مؤكّدة ، بل إن الصحفي الذي أكّدها لي كان بجواري أثناء الجلسة !
ولكن الدكتور محمد هز رأسه كالمنكر ، لم أره وهوم يهز رأسه ، وإلا لكنت وضحت الأمر أكثر ..
ثم علقت على موضوع يتعلق بالمحور القانوني الذي ذكره الدكتور محمد ، وبينت أن الأصح أن نقول : المحور النظامي بالنسبة لأنظمة المملكة ، لأن القانون في مقابل الشريعة ، بينما النظام هو ما يسنه ولي الأمر مما لا يعارض الشريعة ، كما يعبر بعض علماء الشريعة .
- ثم اقترحت على معالي الوزير فضيلة الشيخ / صالح آل الشيخ ، اقتراحين :
الأول : أن توسع الوزارة من رعايتها للبرامج الإعلامية المهمة في القنوات الفضائية ذات الجمهور العريض .
والوزارة تقوم برعايةٍ لبرنامج ( البينة ) في قناة إقرأ مثلا ، وترسل من خلال رعايتها عددا من الرسائل الدعوية خلال الفاصل وقبل البرنامج وبعده .
الثاني : أن تقوم الوزارة بإعداد مواد إعلامية تشمل جميع شرائح الأسرة ؛ وحتى الأطفال من خلال أفلام كرتونية مثلا ، ثم تقوم بتسويقها مجانا للقنوات الفضائية التي لا تتردد غالبا في قبول بث البرامج المجانية .
ولما جاء مجال التعليق لصاحب الورقة الدكتور محمد البشر ، علق على ثلاث نقاط / منها اثنتان تعلقتا بمداخلتي :
إحداهما : بيّن فيها أنه لا يكتب إلا متى جاءته الفكرة ، كالشاعر والقصيدة ، فهو لا يكتب كل يوم ! وهنا فهمت أنه فهم من مداخلتي أنني أقول : إنه لم ينشر له منذ عشرة أيام أي مقال . والأمر ليس كذلك .
والصحيح أنني كنت أقصد مقاله الذي بلغني من أكثر من مصدر منها الصحفي الذي كان بجانبي أنه لم ينشر .
والأخرى : كانت عن استعماله لكلمة قانون ، وأنه أفاد من المداخلة حولها ، وهو ما أكّده لي على مائدة الطعام بعد الجلسة فقد اتصلت به وبينت له مرادي ، إذ لم ألبث وأنا على مائدة الطعام إلا وهو يفاجئني ويجلس بجانبي جزاه الله خيرا .
وأعدت له توضيح ما أردت ، وسألته عن المقال الذي كان مستبعدا من النشر ؛ فبيّن لي أنه نشر .. فعلمت منه أنه نشر ، وهذا يعني أنه نشر فيما بعد جمعا بين المعلومة السابقة وهذه المعلومة ..
وهنا أدركت أنه لا بد من تحديث المعلومة فيما من شأنه التغير لعدم وجود قاعدة تحكمه . وهي فائدة جليلة خرجت بها من هذا الموقف الذي لم يخل من إحراج !
ودار بيننا حديث في قضايا متعددة ، وسلمني نسخة من الورقة التي قدمها فشكرته كثير ا على ذلك ، لأنها لم تكن ضمن الأوراق الموزعة في الحقائب .
ثم أخذنا نتحدث مع رئيس مجلسنا - حول المائدة - الشيخ الجليل والفيلسوف السلفي الكبير الدكتور شيخنا الشيخ جعفر إدريس حفظه الله !
وكان من فوائد الجلسة : بيان الفرق بين العبيد في مفهوم المجتمع الأمريكي ، وأن المراد بهم من أتي بهم مستعبدين من قبل ، لا من أتوا مهاجرين فيما بعد ، ولو كانوا ملونين .
وتوضيحا للأمر رأيت كتابة هذا لمن شا أن يفهم حقيقة ما جرى ، ويفيد منه ..
وفي الحديث فوائد وفرائد ، وهو حديث ذو شجون ..

الأحد، 2 نوفمبر 2008

خبر وتعليق بشأن الجمعية السعودية للعلوم السياسية

خبر وتعليق بشأن الجمعية السعودية للعلوم السياسية
الخبر :
الجزيرة - معن الغضية / تصوير - مشعل القدير:
شهدت قاعة الشيخ حمد الجاسر بجامعة الملك سعود مساء يوم الاثنين ولادة الجمعية السعودية للعلوم السياسية، حيث تم إجراء الانتخابات لاختيار الرئيس ونائبه وأعضاء المجلس في جو من التفاؤل بهذه الجمعية الوليدة. من جانبه صرح الدكتور عبد الكريم الدخيل عضو الجمعية وعضو التدريس بقسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود والذي أشرف على انتخابات الجمعية خلال ليلة الانتخابات بأن التحضيرات لقيام الجمعية كان قبل سنتين، حيث تم خلال هاتين السنتين وضع اللوائح الداخلية للجمعية ودراسة كافة الأنظمة التي سوف تقوم عليها الجمعية، وأشار بقوله إلى أنه تم انتخاب الدكتور محمد مفتي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود رئيساً للجمعية والدكتور شافي الدامر عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن نائباً للرئيس، كما تم تشكيل مجلس الجمعية المكون من تسعة أشخاص، وأضاف أن مدة رئاسة الجمعية تستمر ثلاث سنوات. وعن مقر الجمعية قال في معرض كلامه إن مقر الجمعية سوف يكون في جامعة الملك سعود، حيث تجاوز عدد المنضمين إلى عضوية الجمعية أكثر من 99 شخصاً من أعضاء هيئة التدريس ومن المهتمين وحملة شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية.

------------------
التعليق :
حيث كنت أحد المشاركين في إشهار هذه الجمعية مع بعض أحبتنا .. آملين أن تكون بوابة خير لتأكيد أصالتنا ، وتطوير معاصرتنا .. فإنني أكتب بعض ما نفثه الفؤاد ..
أظن أن الجمعية السعودية بهذا المجلس الذي تم انتخابه في عملية انتخابية نزيهة - تكون قد حافظت على سعودتها الإسلامية فكريا ، أي في إطار الإسلام عقيدة وشريعة ؛ حيث فاز بعضوية مجلس إدارتها ثلة من الأخيار الأحرار ، الذين يعرفون قدر دينهم ، ويدركون عمق شريعة ربهم ، ويحرصون على وطنهم ، ويعرفون حق أمتهم ؛ فجميع من عنيت ، ممن لهم عناية بالسياسة الشرعية . وقد رشحت ستة من هؤلاء ، منهم رئيس الجمعية د. محمد مفتي وفقه الله ! وهو ممن لهم جهود مشكورة في تأصيل العلوم السياسية تأصيلا شرعيا ..
وقد كان حضور السياسة الشرعية مهما في جمعية كهذه يفترض أن تنهض بوظيفتها في ترسيخ معنى السياسة الشرعية كحاكم على السياسات الوضعية ..
نعم كان من المؤسف أن إعلانات الجمعية السابقة للإشهار تجاهلت جامعات مهمة ، منها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، مع أنها الجامعة التي تحتضن أقدم قسم في السياسة الشرعية ، والمعهد الوحيد في المملكة الذي يمنح درجة الماجستير والدكتوراه في السياسة الشرعية ..
وهذا التجاهل في نظري يُعد حركة غير لائقة بأي حال ؛ وربما يمكن وصفها بأنها حركة غبية ، وهي على كل حال تكشف أمرين مهمين أو أحدهما :
الأول : الجهل بعلم السياسة الشرعية ، وشموله للعلوم السياسية بوصفه علما يدرس العلوم السياسة كأدوات وتجارِب يمكن الإفادة منها في بناء السياسة الشرعية بناء يتمتع بأصالة المضمون وعصرانية الوسائل والآليات .. ويدرسها كمسائل تتطلب أحكاما شرعية في ظل المرجعية الشرعية الإسلامية العليا ..
ومن هنا يجب أن يكون من المخجل ، مما ينبغي علمه لمن استمرأ هذا التصرف : أن السياسة الشرعية منصوص عليها نصاً صريحا في النظام الأساسي للحكم ، وبصفة هذه الجمعية جمعية سعودية ، كان من الواجب أن يلحظ العاملون في تنظيمها قبل إشهارها والعاملون فيها بعد الإشهار - ذلك ، وأن يولوه عناية فائقة ..
الثاني : وجود أدلجة فكرية خاصة لدى من فكر هذا التفكير ودعمه ، ووجود فكر إقصائي لا يلتزم بأدنى المعايير الوطنية لجمعية وطنية . وعليه تكون هذه الأدلجة قد وصلت إلى درجة تجاهل المجتمع والأمة ؛ بتجاهلها لمكونات الوطن الرئيسة ..
ومما ينبغي أن يدركه هؤلاء ، أن جامعة هارفارد تعترف بعلم السياسة الشرعية علما مستقلا ، ليس له مصطلح آخر ، فهو هو : السياسة الشرعية . فلا يمكن تصنيفه في غير السياسة ! فليكونوا مثل الهارفارديين الأصليين على أقل تقدير ..
وعلى كل حال / فلا يصح إلا الصحيح .. ويبقى التوفيق بإذن الله حليفا لمن يعمل لله بتوفيق الله ..
ونسأل الله تعالى التوفيق لأحبتنا في هذه الجمعية ، ونتمنى أن تكون رابطة خير وتوفيق لجميع المتخصصين في السياسة الشرعية وما يندرج تحتها من أو يخدمها من العلوم السياسية ..