الثلاثاء، 24 مارس 2009

خاطرة من أجواء كوالالمبور !

خاطرة من أجواء كوالالمبور

أو هي أشبه بموعظة في البناء والحضارة المادية - إن صح التعبير - التي يأمر بها ديننا ، بل قد يصل الأمر بها إلى درجة الوجوب ..وهو أمر ربما قلّ الحديث عنه في المواعظ !! وقبل أن ألج إلى الموضوع ، أعترف بأنني لا أحسن الوعظ السائد ، لكنني أجد في القرآن والسنة مواعظ تكفي ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ..وحتى لا أطيل في التقديم .. أدعكم مع هذا التأمل الذي خطر على بالي - فجعلت منه موعظة - بإطلالة من الدور السادس عشر حيث السكن في مدينة كوالالمبور .. وإن كان للدور السادس عشر في سكن آخر في قارة أخرى حكاية أخرى ، مع أني لا أستسيغ كثيرا مما يقال عن توافقات الأعداد ! إلا أنه سكن يختلف عن هذا ، حيث الوحدة في السكن ، وإزعاج السكارى في المواقف الخارجية حول المبنى !أعود إلى حيث أنا في كوالالمبور ؛ لأقول : لقد اخترت ثلاث مدن للتأمل ! (هيروشيما ، والقاهرة ، وكوالالمبور) ، مدينتان للمقارنة بينهما مع الفروق ( من حيث العراقة والمكانة وقوة النكبة وسرعة النهضة ) لكن الذي يجمعهما تقارب مدة تحرر كل منهما من الاستعمار الأجنبي مع الفارق بين واقع المشاريع العامة في كل منهما اليوم .. ومدينة تمثل نهضة تستحق القراءة المتأنية ! فقد بلغت آثارها الفائقة حدّ افتعال ( أزمة النمور الآسيوية ) من حسّادها !
وأول تلك المدن : هيروشيما ..
ضربت هيروشيما بالقنبلة النووية التي تهلك الحرث والنسل !


وحملها ذلك على الاستسلام .. أي أن فسادها كان حربيا ماديا ومعنويا ..
لكن هيروشيما خرجت من كبوتها عمـلاقة - كما ترى - في نهضتها العمرانية ، بعد أن رفضت الانقياد لثقافة الخصم ..

وجرى التغيير والتطوير في وسائل نهضتها التنموية العصرية ، وبلـغ بهـا الأمـر إلى التفنن في الهندسة الجمالية لما وهبهـا الله من جمال طبيعي في الجبل والسهل والحجر والشجر ..

وأما القاهـرة - وهي المدينة الثانية - فلم تضربها قنبلة نووية ، ولكنها تعرضت لضربة ثقافية عميقة ، بعد أن قبلت الانقياد لثقافة الخصم تحت ضغوط الانهزام بدعاوى الواقع !! .. ومن ثم يمكن القول بأنه قد ضربتها قنبلة علمانية من مخلفات الاستعمار ، تدثرت بلبوس القومية ، فأدت إلى صرف جهدها في حرب الإسلام - الذي لولاه ما كان للعروبة شأن - وبناء السجون لأهله بدل بناء البلد والإنسان ..

ولم يسلم من ذلك النشاط التجاري الإسلامي الذي يتم ضربه كلما رفـع رأسه ، بسبب نزاهته التي لم يعهدها الملأ في أنفسهم ومن ثم لم تصدقها عقولهم !! وما قصة الريان وما أثير حولها من حرب إعلامية بخافية على من تابع الخبر عبر إعلام حرّ غير مؤدلج ، وما محاكمة تجار القاهرة العام الماضي عن هذا ببيعد .. وبالمختصر يمكن القول : أي إن فسادها حكومي إداري ومعنوي ..

وأما كوالالمبور- وهي الثالثة - فمدينة آخّاذة استطاع رجالها المخلصون المعروفون بالنزاهة المالية والتفكير الوطني الجاد ، أن ينهضوا بها في أقل من أربعة وعشرين عاما فقط ! حتى لا تكاد تفرق بينها وبين حواضر العالم المنظّم ماديا ، فاستغلت خزينة الإعمار في الإعمار على خطى تخطيط دقيق !
وقد التقطت مقطعا من الشارع الذي أطل عليه ، وتعمدت أن يكون مقطعا ذا دلالة .. وإن كنت زرت هذه البلاد وسكنت هذه المدينة من قبل ، إلا أنني وجدتها في تطور مستمر ، ونهضة تكبر .. وإن كان تطورها أقلّ بطئا من وجهة نظر أهلها بعد أزمة استبعاد رجل من رجالها المخلصين ، وشريف من شرفائها الكبار ، ومحاولة إلصاق التهم الباطلة به ، ولكن يبقى الحق حقا ، والباطل باطلا ، فها هو يعود مرّة أخرى بأصوات الشعب الذي لم يصدق آلة الجور والظلم التي وجهت له في حال وضعه في زاوية اتهام قذرة ..كما فقدت النهضة رجلا قويا في مواجهة الخصوم ، ربما كان شافيزا للمسلمين في حينه !
ولكن ما يبعث الأمل في استمرار التنمية ، وحفظ ماء وجوه الماليزيين عن البحث عن لقمة العيش - لذاتها - عند الآخرين ، وجود رجال أوفياء ونساء وفيات في البرلمان الماليزي ، ووجود قدر جيد من الحرية التي تضع المشكلات على طاولة المناقشات ، ومن ثم وجود رقابة فعّالة على صرف المالي الوطني في وجوهه المشروعة ..ومما يلفت الانتباه في هذه المدينة : استغلال كل ما يمكن استغلاله من شجر أو حجر أو منشأة ، حتى بعض عبارات صرف مياه الأممطار في مواسم غزارتها ، تتحول إلى أنفاق لمرور السيارات في وقت قلة الأمطار أو المطر الاستوائي الاعتيادي ..بل إنهم يستغلون الأرصفة بين الطرق ، ليقيموا عليها أعمدة خرسانية تحمل مسارين للقطارات داخل المدينة !!

وقد أرفقت المقطع المشار إليه الذي صورته بنفسي ، ليقف عليه الإخوة في مجموعتنا البريدية .. ممن لم يقفوا على نهضة ذلك البلد ..

تمنيت لو أن مثل هذا المشروع الذي لا أشك أن تكلفته لن تكون - على كل حال - أكثر من تكلفة قطار تحت الأرض .. لو كان مثل هذا في الشوارع الرئيسية في الرياض أو جدة !تمنيت لو أن هذا المشروع قام على طريق خريص مثلا ! أو طريق الملك فهد - رحمه الله - أو على طريق البطحاء !! بل لو قام على الطريق الدائري كله - الذي لم يعد بينه وبين طريق البطحاء كبير فرق وقت انطلاق الناس لأعمالها في الصباح الباكر أو عودتها في بدايات المساء !

ربما تحولت الأمنية إلى حقيقة لنحفظ أوقاتا طالما ذهبت في الطرقات .. وأموالا ربما ذهبت في المهدئات ..